صفحة جزء
( وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه في حال الإسلام ، وما لزمه في حال ردته من الديون يقضى مما اكتسبه في حال ردته ) قال العبد الضعيف عصمه الله : هذه رواية عن أبي حنيفة رحمه الله ، وعنه أنه يبدأ بكسب الإسلام ، وإن لم يف بذلك يقضى من كسب الردة وعنه على عكسه . وجه الأول أن المستحق بالسببين مختلف . وحصول كل واحد من الكسبين باعتبار السبب الذي وجب به الدين فيقضى كل دين من الكسب المكتسب في تلك الحالة ليكون الغرم بالغنم .

وجه الثاني أن كسب الإسلام ملكه حتى يخلفه الوارث فيه ، ومن شرط هذه الخلافة الفراغ عن حق المورث [ ص: 81 ] فيقدم بالدين عليه ، أما كسب الردة فليس بمملوك له ; لبطلان أهلية الملك بالردة عنده فلا يقضى دينه منه إلا إذا تعذر قضاؤه من محل آخر فحينئذ يقضى منه ، كالذمي إذا مات ولا وارث له يكون ماله لجماعة المسلمين ، ولو كان عليه دين يقضى منه كذلك هاهنا . وجه الثالث أن كسب الإسلام حق الورثة وكسب الردة خالص حقه ، فكان قضاء الدين منه أولى إلا إذا تعذر بأن لم يف به فحينئذ يقضى من كسب الإسلام تقديما لحقه . [ ص: 82 ] وقال أبو يوسف ومحمد : تقضى ديونه من الكسبين ; لأنهما جميعا ملكه حتى يجري الإرث فيهما ، والله أعلم .


( قوله : وتقضى ديونه التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه في حال الإسلام ، وديونه التي لزمته في حال ردته مما اكتسبه في حال ردته ) وعلى هذا فإن فضل من كسب الإسلام عن ديون الإسلام شيء ورثته الورثة وإلا لا يرثون شيئا ، ولو فضل عن ديون الردة شيء من كسب الردة عند أبي حنيفة أنه لا يورث ; لأنه لا يورث كسب الردة .

قال المصنف رحمه الله ( وهذا التفصيل المذكور رواية عن أبي حنيفة ) قيل رواها زفر عنه ، ولم ينسب الكرخي هذا إلى أبي حنيفة بل قال : وقال زفر والحسن : ما لحقه في حال الإسلام إلى آخره ( وعنه أنه يبدأ بكسب الإسلام ) فيقضى منه الدينان جميعا ، فإن وفى فكسب الردة فيء لجماعة المسلمين ولا يرث الورثة شيئا في هذه الصورة إلا أن يفضل عن كسب الإسلام شيء عن الدينين ( فإن لم يف كمل من كسب الردة ) وهذه رواية الحسن بن زياد عنه ( وعنه على عكسه ) وهو أن يقضى الدينان جميعا من كسب الردة ، فإن وفى بالديون ورثت الورثة كسب الإسلام كله ، وإن لم يف كمل من كسب الإسلام وورثت الورثة ما فضل إن فضل شيء ، وهذه رواية أبي يوسف عنه ( وجه الأول ) وهو التفصيل ( أن المستحق بالسببين ) وهو دين الإسلام ودين الردة ( مختلف ، وحصول كل من الكسبين باعتبار السبب الذي وجب به الدين فيقضى كل دين من الكسب الذي حصل به ; ليكون الغرم بالغنم . وجه الثاني ) وهو رواية الحسن ( أن كسب الإسلام ملكه حتى يخلفه الوارث فيه ، ومن شروط هذه الخلافة الفراغ عن حق المورث ) وهو مقدار [ ص: 81 ] ما عليه من الدين ( فيقدم الدين ) مطلقا ( عليه أما كسب الردة فليس مملوكا له لبطلان أهلية الملك بالردة عند أبي حنيفة فلا يقضى دينه منه ، إلا إذا تعذر قضاؤه من محل آخر فحينئذ يقضى منه ) فإن قيل : كيف يقضى منه وهو فيء عنده غير مملوك له بل لجماعة المسلمين ؟ أجاب فقال : لا بعد في هذا ( فإن الذمي إذا مات ولا وارث له يكون ماله لجماعة المسلمين ) ومع ذلك إن كان عليه دين يقضى منه أولا وما فضل يكون للمسلمين ( فكذلك هاهنا ) قال في المبسوط : وعلى هذا لا ينفذ تصرفه في الرهن وقضاء الدين من كسب الإسلام .

( وجه الثالث ) وهو رواية أبي يوسف ( أن كسب الإسلام حق الورثة وكسب الردة خالص حقه ) بمعنى أنه ما تعلق به حق الغير كما يتعلق في مال المريض ، وإلا فهو قد ذكر أن أملاكه تزول ، غير أنه لا يلزم من كونه خالص حقه كونه ملكا له ; ألا ترى أن كسب المكاتب خالص حقه وليس ملكه ، وإذا كان خالص حقه ( كان قضاء دينه منه أولى ، إلا إذا لم يف فحينئذ يقضى من كسب الإسلام تقديما لحقه ) قال في المبسوط : وعلى هذا نقول عقد الرهن كقضاء الدين ، فإذا قضى دينه من كسب الردة أو رهنه بالدين فقد فعل عين ما كان يحق فعله ، فهذه ثلاثة روايات عن [ ص: 82 ] أبي حنيفة ، ولو لم يكن له مال إلا ما اكتسبه في حال ردته قضي منه ( وقال أبو يوسف ومحمد : تقضى ديونه من الكسبين ; لأنهما جميعا ملكه عندهما ) حتى يجري فيهما الإرث .

التالي السابق


الخدمات العلمية