صفحة جزء
[ ص: 100 - 101 ] ( وإذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا من طاعة الإمام دعاهم إلى العود إلى الجماعة وكشف عن شبهتهم ) ; لأن عليا فعل كذلك بأهل حروراء قبل قتالهم ، ولأنه أهون الأمرين . ولعل الشر يندفع به فيبدأ به .


( قوله : وإذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا عن طاعة إمام ) الناس به في أمان والطرقات آمنة ( دعاهم إلى العود إلى الجماعة وكشف عن شبهتهم ) التي أوجبت خروجهم ( لأن عليا رضي الله عنه فعل ذلك بأهل حروراء ) قبل قتالهم ، وليس ذلك واجبا بل مستحب ; لأنهم كمن بلغتهم الدعوة لا تجب دعوتهم ثانيا وتستحب . وحروراء : اسم قرية من قرى الكوفة ، وفيه المد والقصر ، ومنه قول عائشة رضي الله عنها لمعاذة أحرورية أنت ؟ .

أسند النسائي في سننه الكبرى في خصائص علي

إلى ابن عباس رضي الله عنهم قال : لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار وكانوا ستة آلاف . فقلت لعلي : يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلي أكلم هؤلاء القوم ، قال : إني أخافهم عليك . قلت كلا . فلبست ثيابي ومضيت إليهم حتى دخلت عليهم في دار وهم مجتمعون فيها . فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ما جاء بك ؟ قلت : أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار ، من عند ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره ، وعليهم نزل القرآن وهم أعرف بتأويله منكم وليس فيكم منهم أحد ، جئت لأبلغكم ما يقولون وأبلغهم ما تقولون . فانتحى لي نفر منهم ، قلت : هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه وختنه وأول من آمن به ، قالوا : ثلاث . قلت : ما هي ؟ قالوا : إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله ، وقد قال تعالى { إن الحكم إلا لله } قلت : هذه واحدة . قالوا : وأما الثانية فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم ، فإن كانوا كفارا فقد حلت لنا نساؤهم وأموالهم ، وإن كانوا مؤمنين فقد حرمت علينا دماؤهم ، قلت هذه أخرى . قالوا : وأما الثالثة : فإنه محا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فإنه يكون أمير الكافرين ، قلت : هل عندكم شيء غير هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا ، قلت لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله وحدثتكم من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يرد قولكم هذا ترجعون ؟ قالوا : اللهم نعم . قلت أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله فأنا أقرأ عليكم أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في أرنب ثمنها ربع درهم ، قال تعالى { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } إلى قوله { يحكم به ذوا عدل منكم } . وقال في المرأة وزوجها { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } أنشدكم الله أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وإصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم ؟ قالوا اللهم بل في حقن دمائهم وإصلاح ذات بينهم ، قلت : أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم . قلت : وأما قولكم إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم أتسبون أمكم عائشة فتستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم ؟ [ ص: 102 ] لئن فعلتم لقد كفرتم . فإن قلتم ليست أمنا فقد كفرتم قال الله تعالى { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } فأنتم بين ضلالتين ، فأتوا منها بمخرج ، أخرجت من هذه الأخرى ؟ قالوا : اللهم نعم . قلت : وأما قولكم إنه محا نفسه من أمير المؤمنين { فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا فقال : اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ، فقالوا : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله ، فقال : والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، يا علي اكتب محمد بن عبد الله ، } فرسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي وقد محا نفسه ولم يكن محوه ذلك محوا من النبوة ، أخرجت من هذه الأخرى ؟ قالوا : اللهم نعم . فرجع منهم ألفان وبقي سائرهم فقتلوا على ضلالتهم قتلهم المهاجرون والأنصار .

وروى الحاكم أن عبد الله بن شداد استحكته عائشة عن الذين قتلهم علي فقال : لما كانت حرب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس فنزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة ، إلى أن قال : بعث علي إليهم عبد الله بن عباس فخرجت معه ، حتى إذا توسطنا عسكرهم قام ابن الكواء خطيبا فقال : يا حملة القرآن هذا عبد الله بن عباس ، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ما يعرفه به ، هذا ممن نزل فيه وفي قومه { بل هم قوم خصمون } فردوه إلى صاحبه ولا تواضعوه كتاب الله ، فقام خطباؤهم وقالوا والله لنواضعنه ، فواضعهم عبد الله بن عباس الكتاب وواضعوه ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة آلاف فيهم ابن الكواء حتى أدخلهم الكوفة على علي إلى آخر الحديث . وقال : على شرط البخاري ومسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية