صفحة جزء
[ ص: 102 ] ( ولا يبدأ بقتال حتى يبدءوه ، فإن بدءوه قاتلهم حتى يفرق جمعهم ) قال العبد الضعيف : هكذا ذكره القدوري في مختصره . وذكر الإمام المعروف بخواهر زاده أن عندنا يجوز أن يبدأ بقتالهم إذا تعسكروا واجتمعوا . وقال الشافعي : لا يجوز حتى يبدءوا بالقتال حقيقة ; لأنه لا يجوز قتل المسلم إلا دفعا وهم مسلمون ، بخلاف الكافر ; لأن نفس الكفر مبيح عنده . ولنا أن الحكم يدار على الدليل وهو الاجتماع والامتناع ، وهذا ; لأنه لو انتظر الإمام حقيقة قتالهم ربما لا يمكنه الدفع فيدار على الدليل ضرورة دفع شرهم ، [ ص: 103 ] وإذا بلغه أنهم يشترون السلاح ويتأهبون للقتال ينبغي أن يأخذهم ويحبسهم حتى يقلعوا عن ذلك ويحدثوا توبة دفعا للشر بقدر الإمكان . والمروي عن أبي حنيفة من لزوم البيت محمول على حال عدم الإمام ، أما إعانة الإمام الحق فمن الواجب عند الغناء والقدرة .


( قوله : ولا يبدأ بقتال حتى يبدءوه هكذا ذكره القدوري ) وهو عين ما قدمناه من قول علي رضي الله عنه ، ولن نقاتلكم حتى تقاتلونا ( وذكر الإمام الأجل المعروف بخواهر زاده أن عندنا يجوز أن نبدأ بقتالهم إذا تعسكروا واجتمعوا ، وقال الشافعي : لا يجوز حتى يبدءوا حقيقة ) وهو قول مالك وأحمد وأكثر أهل العلم ( لأن قتل المسلم لا يجوز إلا دفعا وهم ) أي البغاة ( مسلمون ) رحمه الله تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } ثم قال { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } ( ونحن أدرنا الحكم وهو حل القتال على دليل قتالهم و ) ذلك ( هو الاجتماع ) على قصد القتال ( والامتناع ; لأنه لو انتظر حقيقة قتالهم ربما لا يمكنه الدفع ) لتقوى شوكتهم وتكثر جمعهم خصوصا والفتنة يسرع إليها أهل الفساد وهم الأكثر ، والكفر ما أباح القتال إلا للحرابة والبغاة كذلك ، ويجب على كل من أطاق الدفع أن يقاتل مع الإمام إلا إن أبدوا ما يجوز لهم القتال كأن ظلمهم أو ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه ، بل يجب أن يعينوهم حتى ينصفهم ويرجع عن جوره ، بخلاف ما إذا كان الحال مشتبها أنه ظلم مثل [ ص: 103 ] تحميل بعض الجبايات التي للإمام أخذها وإلحاق الضرر بها لدفع ضرر أعم منه ، ويجوز قتالهم بكل ما يقاتل به أهل الحرب من المنجنيق وإرسال الماء والنار .

وخواهر زاده معناه ابن الأخت ، وكان ابن أخت القاضي الإمام أبي ثابت قاضي سمرقند واسم خواهر زاده محمد ، وكنيته أبو بكر ، واسم أبيه حسين النجاري وهو معاصر لشمس الأئمة السرخسي وموافق له في اسمه وكنيته ; لأن شمس الأئمة اسمه محمد وكنيته أبو بكر بن أبي سهل ، وتوفي كل منهما في العام الذي توفي فيه الآخر وهو عام ثمان وثمانين وأربعمائة . وفخر الإسلام أيضا معاصر لهما وتوفي في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ( فإذا بلغه أنهم يشترون السلاح ويتأهبون للقتال ينبغي أن يأخذهم ويحبسهم حتى يقلعوا عن ذلك ويحدثوا توبة دفعا للشر بقدر الإمكان . والمروي عن أبي حنيفة رحمه الله )

من قوله : الفتنة إذا وقعت بين المسلمين فالواجب على كل مسلم أن يعتزل الفتنة ويقعد في بيته لقوله صلى الله عليه وسلم { من فر من الفتنة أعتق الله رقبته من النار } وقال لواحد من الصحابة : { كن حلسا من أحلاس بيتك } رواه عنه الحسن بن زياد ( فمحمول على ما إذا لم يكن لهم إمام ) وما روي عن جماعة من الصحابة أنهم قعدوا في الفتنة محمول على أنه لم يكن لهم قدرة ولا غناء ، وربما كان بعضهم في تردد من حل القتال .

كما روي عن بعضهم أنه أتى عليا رضي الله عنه يطلب عطاءه من بيت المال فمنعه علي رضي الله عنه وقال له : أين كنت يوم صفين ؟ فقال : ابغني سيفا أعرف به الحق من الباطل ، فقال له : ما قال الله هذا ، وإنما قال { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } وما روي { إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار } فمحمول على اقتتالهما حمية وعصبية كما يتفق بين أهل قريتين ومحلتين أو لأجل الدنيا والمملكة . قال الذهبي : صح عن أبي وائل عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال : رأيت كأن قبابا في رياض ، فقلت لمن هذه ؟ فقالوا لذي الكلاع وأصحابه ، ورأيت قبابا في رياض فقلت لمن هذه ؟ فقيل : لعمار بن ياسر وأصحابه ، قلت : وكيف وقد قتل بعضهم بعضا ، قال : إنهم وجدوا الله واسع المغفرة انتهى . وهذا ; لأن قتالهم عن اجتهاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية