صفحة جزء
( ونفقته في بيت المال ) هو المروي عن عمر وعلي [ ص: 111 ] ولأنه مسلم عاجز عن التكسب ، ولا مال له ولا قرابة فأشبه المقعد الذي لا مال له ولا قرابة ; ولأن ميراثه لبيت المال ، والخراج بالضمان ولهذا كانت جنايته فيه . والملتقط متبرع في الإنفاق عليه ; لعدم الولاية إلا أن يأمره القاضي به ليكون دينا عليه لعموم الولاية .


( قوله : ونفقته في بيت المال ) أي إذا لم يكن له مال ، وهذا بلا خلاف . وأصله ما روى مالك في الموطإ عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم أنه وجد منبوذا في زمن عمر بن الخطاب قال : فجئت به إلى عمر فقال : ما حملك على أخذ هذه النسمة ؟ فقال : وجدتها ضائعة فأخذتها ، فقال له عريفه : يا أمير المؤمنين ؟ إنه رجل صالح ، قال كذلك ؟ قال نعم ، قال اذهب به فهو حر وعلينا نفقته . وعن مالك رواه الشافعي في مسنده . وقال البيهقي : وغير الشافعي يرويه عن مالك ويقول فيه : وعلينا نفقته من بيت المال انتهى .

وكذلك رواه عبد الرزاق قال : أنبأنا مالك عن ابن شهاب : حدثني أبو جميلة أنه وجد منبوذا على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتاه به فاتهمه عمر رضي الله عنه ، فأثني عليه خيرا ، فقال عمر رضي الله عنه : هو حر وولاءه لك ونفقته من بيت المال . وتهمة عمر دل عليها ما في رواية محمد عنه في حديث أبي جميلة أنه قال له : عسى الغوير أبؤسا ، وهو مثل لما يكون ظاهره خلاف باطنه . وأول من قالته الزباء . وما قيل فيه دليل على أن الملتقط ينبغي أن يأتي به إلى الإمام أولا ليس بلازم . نعم ما لم يتبرع بالإنفاق وقصد أن ينفق عليه من بيت المال كما فعل أبو جميلة يحتاج أن يأتي به إليه ، وإذا جاء به إلى الإمام لا يصدقه فيخرج من بيت المال نفقته إلا أن يقيم بينة على الالتقاط ; لأنه عساه ابنه ولذا قال عمر رضي الله عنه : عسى الغوير أبؤسا .

والوجه أنه لا يتوقف على البينة إلى ما يرجح صدقه ; ألا ترى أن عمر لما قال عريفه إنه رجل [ ص: 111 ] صالح أنفق عليه ، فإن هذه البينة ليست على أوضاع البينات فإنها لم تقم على خصم حاضر ، وإنما كانت ليترجح صدقه في إخباره بالالتقاط ، ولذا قال في المبسوط : هذه لكشف الحال والبينة لكشف الحال مقبولة وإن لم تكن على خصم .

قال الواقدي : وحدثني محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر إذا أتي بلقيط فرض له ما يصلحه رزقا يأخذه وليه كل شهر ويوصي به خيرا ، ويجعل رضاعه في بيت المال ونفقته .

وروى عبد الرزاق ، حدثنا سفيان الثوري عن زهير بن أبي ثابت بن ذهل بن أوس عن تميم أنه وجد لقيطا فأتى به إلى علي رضي الله عنه فألحقه علي على ماله ( ولأنه مسلم عاجز عن الكسب ولا مال له ولا قرابة ) أغنياء لتجب نفقته عليهم فكانت في بيت المال كالمقعد الذي لا مال له ; ولأن ميراثه لبيت المال ( والخراج بالضمان ) أي لبيت المال غنمه : أي ميراثه ودينه ، حتى لو وجد اللقيط قتيلا في محلة كانت على أهل تلك المحلة ديته لبيت المال وعليهم القسامة ، وكذا إذا قتله الملتقط أو غيره خطأ فالدية على عاقلته لبيت المال ، ولو قتله عمدا فالخيار إلى الإمام على ما تقدم في مثله فعليه غرمه ( ولهذا كانت جنايته في بيت المال ) وبدأ محمد رحمه الله بحديث الحسن البصري أن رجلا التقط لقيطا فأتى به عليا رضي الله عنه فقال : هو حر ، ولأن أكون وليت من أمره مثل الذي وليت منه أحب إلي من كذا وكذا . فحرض على ذلك ولم يأخذه منه بالولاية العامة ، وهي الإمامة ; لأنه لا ينبغي للإمام أن يأخذه من الملتقط إلا بسبب يوجب ذلك ; لأن يده سبقت إليه فهو أحق به . ( قوله : والملتقط متبرع بالإنفاق عليه لعدم ولايته ) على أن يلحقه الدين ; ليرجع عليه إذا كبر واكتسب ( إلا أن يأمره القاضي به ليكون دينا عليه ) يعني بهذا القيد بأن يقول : أنفق عليه ويكون ذلك دينا عليه . وظاهر الحصر المذكور في قوله إلا أن يأمره إلى آخره يفيد أنه لو أمره ولم يقل ليكون دينا عليه لا يرجع بما أنفق ، وهو كذلك في الأصح ; لأن مطلق الأمر بالإنفاق إنما يوجب ظاهرا ترغيبه في إتمام الاحتساب وتحصيل الثواب . وقيل يوجب له الرجوع ; لأن أمر القاضي كأمر اللقيط بنفسه إذا كان كبيرا ( لعموم ولاية القاضي ) فإذا أنفق بالأمر الذي يصيره دينا عليه فبلغ فادعى أنه أنفق عليه كذا فإن صدقه اللقيط رجع به ، وإن كذبه فالقول قول اللقيط وعلى الملتقط البينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية