صفحة جزء
[ ص: 166 - 167 ] ( فصل ) ( ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة ) وقال مالك : تجوز بالعروض والمكيل والموزون [ ص: 168 ] أيضا إذا كان الجنس واحدا ; لأنها عقدت على رأس مال معلوم فأشبه النقود ، بخلاف المضاربة لأن القياس يأباها لما فيها من ربح ما لم يضمن . [ ص: 169 ] فيقتصر على مورد الشرع . ولنا أنه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن ; لأنه إذا باع كل واحد منهما رأس ماله وتفاضل الثمنان فما يستحقه أحدهما من الزيادة في مال صاحبه ربح ما لم يملك وما لم يضمن ، بخلاف الدراهم والدنانير لأن ثمن ما يشتريه في ذمته إذ هي لا تتعين فكان ربح ما يضمن ، ولأن أول التصرف في العروض البيع وفي النقود الشراء ، وبيع أحدهما ماله على أن يكون الآخر شريكا في ثمنه لا يجوز ، وشراء أحدهما شيئا بماله على أن يكون المبيع بينه وبين غيره جائز .

وأما الفلوس النافقة فلأنها تروج رواج الأثمان فالتحقت بها .

[ ص: 170 ] قالوا : هذا قول محمد لأنها ملحقة بالنقود عنده حتى لا تتعين بالتعيين ، ولا يجوز بيع اثنين بواحد بأعيانها على ما عرف ، أما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى لا تجوز الشركة والمضاربة بها لأن ثمنيتها تتبدل ساعة فساعة وتصير سلعة . وروي عن أبي يوسف مثل قول محمد ، والأول أقيس وأظهر ، وعن أبي حنيفة صحة المضاربة بها .


( فصل )

لما ذكر اشتراط المساواة في رأس مال شركة المفاوضة احتاج إلى بيان أي مال تصح به ، فقال : ( لا تنعقد الشركة ) أي شركة المفاوضة ( إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة ) يعني لا تنعقد المفاوضة إذا ذكر فيها المال إلا بذلك ، وإنما قلنا هذا ; لأنه ذكر في المبسوط أن المفاوضة والعنان يكون كل منهما في شركة الوجوه والتقبل فيصح قولنا [ ص: 168 ]

المفاوضة تنعقد في الوجوه والتقبل بلا مال فصدق بعض المفاوضة تنعقد بلا دراهم ودنانير وفلوس ، وهو يناقض قوله لا تنعقد المفاوضة إلا بالدراهم إلخ ; لأن الإيجاب الجزئي يناقض السلب الكلي ، والتقييد بما ذكر يخرج الدين والعروض ، وهو قول أحمد والشافعي في وجه ، وفي وجه يجوز بالعروض المثلى ، وقال مالك تجوز بالعروض إذا اتحد جنسها .

وقال الأوزاعي وحماد بن أبي سليمان : تجوز الشركة والمضاربة بالعروض ، ولو وقع تفاضل في بيعها يرجع كل بقيمة عرضه عند العقد ، وكما لا تجوز عندنا بالعرض لا يجوز أن يكون رأس مال أحدهما عرضا والآخر دراهم أو دنانير ، ولم يشترط حضور المال وقت العقد وهو صحيح ، بل الشرط وجوده وقت الشراء .

وتقدم أنه لو دفع إلى رجل ألفا ، وقال : أخرج مثلها واشتر بها وبع فما ربحت فهو بيننا ففعل صح ، إلا أنه لا بد أن يقيم البينة أنه فعل ليلزم الآخر إذا لم يصدقه لو ثبتت وضيعة ، وقيد بالدراهم والدنانير لإخراج الحلي والتبر فلا يصلحان رأس مال الشركة إلا فيما سنذكره ، وأما الفلوس النافقة فلم يذكر القدوري والحاكم أبو الفضل في الكافي فيها خلافا ، بل اقتصر على أن قال : ولا تجوز الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس .

وخص الكرخي الجواز بالفلوس على قولهما ، وبعضهم جعل الظاهر الجواز ، وعدم الجواز رواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف ، وقال : لو كان رأس مال أحدهما فلوسا لم تجز الشركة عند أبي حنيفة وأبي يوسف ; لأنها إنما صارت ثمنا باصطلاح الناس ، وليست ثمنا في الأصل وهم لم يتعاملوا أن يجعلوها رأس مال الشركة .

وعند محمد يجوز وهو قول أبي يوسف الأول . وقال المصنف ( قالوا ) يعني المتأخرين : ( هذا قول محمد ) واستدل عليه بمسألتين : إحداهما أن الفلوس لا تتعين بالتعين ولا يجوز بيع فلس بفلسين إذا كانا بعينهما عند محمد خلافا لهما ، وسيأتي الوجه والتقييد بأعيانهما احترازا عما لو باع فلسا بفلسين دينا ، فإنه لا يجوز اتفاقا ; لأن حرمة النساء تثبت باتحاد الجنس .

وجه قول مالك أن الجنس إذا كان متحدا فقد ( عقدت على رأس مال معلوم ) فكانت كالنقود ( بخلاف المضاربة ) حيث لا تجوز إلا بالنقود ; لأنها شرعت على خلاف القياس ( لما فيها من ربح ما لم يضمن ) فإن المال غير مضمون على المضارب [ ص: 169 ] ويستحق ربحه ( فيقتصر على مورد الشرع . ولنا أن رأس مال الشركة )

في العروض والمكيل والموزون ( يؤدي إلى ربح ما لم يضمن ) ; لأنه إذا باع كل منهما عرضه واتفق تفاضل الثمنين ( فما يستحقه أحدهما من الزيادة على حصة رأس ماله ) الذي هو ثمن عرضه ( ربح ما لم يملكه ) ولم يضمنه ( بخلاف النقود ) فإن كل واحد ثم وكيل عن صاحبه في الشراء بماله ، وما يشتريه كل منهما لا يتعلق برأس المال لعدم التعيين ، فيكون واجبا في ذمته فربحه ربح ما ضمنه .

فإن قيل : هذا لا يلزم ; لأنه يشترط خلط العرضين لاتحاد جنسهما مكيلين أو موزونين أو غيرهما متحدي القيمة كثياب الكرباس من بابة واحدة .

قلنا : الخلط لا يوجب الاشتراك في كل ثوب وحبة مثلا ، فإذا باعا جملة في وقت طلوع السعر من ذلك لم يعلم أن عدد ما بيع من الأجزاء وقبضه المشتري متساويان ، بل الظاهر أنهما متفاوتان ، فيلزم اختصاص أحدهما بزيادة ربح لزيادة ملكه ، والتخلص عنه ليس إلا بضبط قدر ملكه ، وهو مجهول فقد أدى إلى تعذر الوصول إلى قدر حقه وربح الآخر ما لم يضمن ، ولأن القيمة لا تعرف إلا بالحزر والظن ولا يفيدان العلم بالقيمة فيؤدي إلى المنازعة فيه ، وهذا إنما يلزم لو اعتبر رأس المال قيمة العروض ، أما إذا كان هو نفس العروض من جنس واحد متحدة القيمة وقت العقد

وقد خلطاه فيه فلا تنازع .

نعم اللازم ربح ما لم يضمن وتعذر ما يدفعه ( ولأن أول التصرف في العروض البيع وفي النقود الشراء ، وبيع الإنسان ماله على أن يكون الآخر شريكا في ثمنه لا يجوز ، وشراؤه شيئا بماله على أن يكون الآخر شريكا فيه يجوز ) ، وعلمت أن الخلط لا ينفي ذلك ( وجه قول محمد أن الفلوس إذا كانت نافقة تروج رواج الأثمان فالتحقت بها ) ولأبي حنيفة وأبي يوسف [ ص: 170 ] أن ثمنيتها تتبدل ساعة فساعة ) فإنها باصطلاح الناس لا بالخلقة ، ففي كل ساعة تنتفي بانتفاء الخلقة .

وتصير ثمنا بالاصطلاح القائم ، ولا يخفى أن هذا إنما هو في الملاحظة ، أما في الخارج فهي ثمن مستمر ما استمر الاصطلاح عليها ، ولذا قال الإسبيجابي : الصحيح أن عقد الشركة على الفلوس يجوز على قول الكل ; لأنها صارت ثمنا باصطلاح الناس ، ولهذا لو اشترى شيئا بفلوس بعينها لم تتعين تلك الفلوس حتى لا يفسد العقد لهلاكها .

قال المصنف ( وروي عن أبي يوسف مثل قول محمد ، والأول أقيس وأظهر ) ; لأن قوله مع أبي حنيفة مستقر في بيع فلس بفلسين ، ( وعن أبي حنيفة جواز المضاربة بها ) وعلى ما ذكر من مبسوط الإسبيجابي يجب أن يكون قول الكل الآن على جواز الشركة والمضاربة بالفلوس النافقة وعدم التعيين

التالي السابق


الخدمات العلمية