صفحة جزء
[ ص: 196 ] ( فصل )

وليس لأحد الشريكين أن يؤدي زكاة مال الآخر إلا بإذنه ، لأنه ليس من جنس التجارة ، فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه أن يؤدي زكاته . فإن أدى كل واحد منهما فالثاني ضامن علم بأداء الأول أو لم يعلم ، وهذا عند أبي حنيفة . وقالا : لا يضمن إذا لم يعلم وهذا إذا أديا على التعاقب ، أما إذا أديا معا ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه . وعلى هذا الاختلاف المأمور بأداء الزكاة إذا تصدق على الفقير بعدما أدى الآمر بنفسه . لهما أنه مأمور بالتمليك من الفقير ، وقد أتى به فلا يضمن للموكل ، وهذا لأن في وسعه التمليك لا وقوعه زكاة لتعلقه بنية الموكل ، وإنما يطلب منه ما في وسعه وصار كالمأمور بذبح دم الإحصار إذا ذبح بعدما زال الإحصار وحج الآمر لم يضمن [ ص: 197 ] المأمور علم أو لا . ولأبي حنيفة أنه مأمور بأداء الزكاة والمؤدى لم يقع زكاة فصار مخالفا ، وهذا لأن المقصود من الأمر إخراج نفسه عن عهدة الواجب ; لأن الظاهر أنه لا يلتزم الضرر إلا لدفع الضرر ، وهذا المقصود حصل بأدائه وعرى أداء المأمور عنه فصار معزولا علم أو لم يعلم ; لأنه عزل حكمي . وأما دم الإحصار فقد قيل هو على هذا الاختلاف ، وقيل بينهما فرق . ووجهه أن الدم ليس بواجب عليه فإنه يمكنه أن يصبر حتى يزول الإحصار . وفي مسألتنا الأداء واجب فاعتبر الإسقاط مقصودا فيه دون دم الإحصار .


( فصل )

لما كانت أحكام هذا الفصل بعيدة عن الشركة إذ ليست من أمور التجارة والاسترباح أفردها بفصل وأخره ( قوله وإذا أذن كل أن يؤدي زكاة أمواله إذا حال الحول فحال فأدى ) وقد أدى الآذن المالك ضمن لشريكه ما أداه ( علم بالأداء أو لم يعلم عند أبي حنيفة رحمه الله ) وعندهما لا يضمن ما لم يعلم بأدائه ، هكذا ذكر في كتاب الزكاة من المبسوط .

ونقل الولوالجي أن في بعض المواضع لا يضمن عندهما وإن علم بأداء المالك ، ونص في زيادات العتابي أن عندهما لا يضمن علم بأدائه أو لم يعلم قال : وهو الصحيح عندهما . وعلى هذا الخلاف لو دفع مالا إلى رجل ليكفر عنه فكفر الآمر بنفسه ثم كفر المأمور ( وعلى هذا المأمور بأداء الزكاة ) وهذا الخلاف فيما إذا أديا على التعاقب ، فإن أديا معا ضمن كل نصيب الآخر عند أبي حنيفة .

وعندهما لا يضمن ذكره في المبسوط وزيادات العتابي وعلل فيما نقل عن المبسوط بأن زكاة كل منهما تقع بما أداه بنفسه وأداؤه بنفسه يوجب عزل الوكيل ، ولا يخفى أنه لا يفيد ; لأنه بعد تسليم أن أداءه يتضمن عزل الوكيل وهو لا ينعزل إلا بعد العلم والكلام فيه . وجه قولهما في خلافية الكتاب أنه أداه بالأمر ولا ضمان مع الأمر . ولا يقال : إنما أمره بأداء ما هو زكاة . لأنا نقول : ليس هذا من وسع الوكيل ; لأن وقوعه زكاة يتعلق بأمر من جهة [ ص: 197 ] الموكل كنيته ، وإنما يلزمه ما في وسعه وليس في وسعه إلا الأداء ، ولهذا لو دفع إلى رجل ليقضي بها دينا عليه ثم أدى الدافع الدين لا يضمن إذا دفع ولم يعلم ، وصار أيضا كدم الإحصار إذا ذبح المأمور بعد زوال الإحصار .

( ولأبي حنيفة أنه مأمور بأداء الزكاة والمؤدى ) بعد أدائه ( لم يقع زكاة فصار مخالفا ، وهذا لأن الظاهر أن لا يلتزم الضرر ) بتنقيص المال إلا لدفع الضرر الديني ، وقد خلا أداؤه عن ذلك ( فصار بأدائه معزولا علم أو لم يعلم ; لأنه عزل حكمي ) لا يتوقف على العلم بالعزل بالموت كما ذكرنا آنفا ، وأما ما التزمتم به من المسألتين فقيل يمنع تسليم أبي حنيفة الجواب فيهما ، وقيل بل هو على الاتفاق .

والفرق ( أن الدم ليس بواجب على الآمر المحصر ; لأنه يمكنه أن يصبر حتى يزول الإحصار ) أدرك الحج أو لم يدركه ، ويفعل أفعال فائت الحج ( وفي مسألتنا الأداء واجب فاعتبر الإسقاط مقصودا فيه ) ، وأما مسألة الدين : فالفرق أنه أمره بدفع مضمون على الآخذ وذلك ثابت [ ص: 198 ] وإن كان الآخذ دائنه ، وهذا لأن عين الدين لا يمكن دفعه بل دفع مال مضمون على القابض ثم يصير الضمان بالضمان قصاصا ، وقد وقع ولم يفت لإمكان الرجوع عليه بعد العلم بالقضاء ، ولا يخفى أنه لم يقع الجواب عن قولهما ليس في وسعه إيقاعه زكاة فكأن المأمور به دفعه إلى المصرف وقد وجد ، وكونه عزلا حكميا لهما أن يمنعاه ; لأنه موقوف على كون الأمر صح بدفعه مقيدا بوقوعه زكاة وهو ممنوع ، وقد قيل إنه لما أمره بأداء الزكاة كان ناويا لها ، فلو بادر إلى الأداء وقع المأمور به ، فلما أخر حتى أدى الآمر كان بتأخيره متسببا لوقوعها غير زكاة ولا يخفى ما فيه

التالي السابق


الخدمات العلمية