صفحة جزء
( ومن قرأ في العشاء في الأوليين السورة ولم يقرأ بفاتحة الكتاب لم يعد في الأخريين ، وإن قرأ الفاتحة ولم يزد عليها قرأ في الأخريين الفاتحة والسورة وجهر ) وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله .

وقال أبو يوسف رحمه الله لا يقضي واحدة منهما لأن الواجب إذا فات عن وقته لا يقضى إلا بدليل .

[ ص: 329 ] ولهما وهو الفرق بين الوجهين أن قراءة الفاتحة شرعت على وجه يترتب عليها السورة ، فلو قضاها في الأخريين تترتب الفاتحة على السورة ، وهذا خلاف الموضوع ، بخلاف ما إذا ترك السورة لأنه أمكن قضاؤها على الوجه المشروع ، ثم ذكر هاهنا ما يدل على الوجوب ، وفي الأصل بلفظة الاستحباب لأنها إن كانت مؤخرة فغير موصولة بالفاتحة فلم يمكن مراعاة موضوعها من كل وجه [ ص: 330 ] ( ويجهر بهما ) هو الصحيح لأن الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة شنيع ، وتغيير النفل وهو الفاتحة أولى ، ثم المخافتة أن يسمع نفسه والجهر أن يسمع غيره ، وهذا عند الفقيه أبي جعفر الهندواني رحمه الله لأن مجرد حركة اللسان لا يسمى قراءة بدون الصوت .

وقال الكرخي : أدنى الجهر أن يسمع نفسه ، وأدنى المخافتة تصحيح الحروف لأن القراءة فعل اللسان دون الصماخ .

[ ص: 331 ] وفي لفظ الكتاب إشارة إلى هذا .

وعلى هذا الأصل كل ما يتعلق بالنطق كالطلاق والعتاق والاستثناء وغير ذلك


( قوله لم يعد في الأخريين ) المناسب لم يقض أو لم يقرأها إذ لا يتصور إعادة ما لم يسبق ( قوله ولهما إلخ ) مثل هذا الوضع يقتضي أن يقال لهما : يعني من الدلائل في مقابلة قول المخالف بعد ذكر دليله وهو ما ذكر من أن قراءة السورة غير مشروعة في الأخريين فلا يجوز الإتيان بها لعدم المحل ، ودليل القضاء لا ما ذكره المصنف .

والجواب أن قراءتها تلحقها بالشفع الأول ويخلو عنها الثاني حكما لأنه محل لها ، بخلاف الفاتحة فإن الثاني محلها فتقع قراءتها أداء لأنه أقوى للمحلية ، ولو كررها خالف المشروع .

وقد يقال كذلك قراءة السورة فإن كان إيقاعها فيه يخليه عنها حكما [ ص: 329 ] لذلك يجب أن تكون قراءة الفاتحة ثانيا للقضاء يجب أن تلتحق بالأوليين فيخلو الثاني عن تكرارها حكما ، ثم بعد هذا كله المتحقق عدم المحلية فلزم كونها قضاء ، ولم يقع الجواب عن قوله إذا فات عن محله لا يقضي إلا بدليل .

واعلم أن المسألة مربعة ، فظاهر الرواية ما ذكر ، وعكسه قول عيسى بن أبان وعن أبي يوسف : لا يقضي واحدة منهما ، وعن أبي حنيفة : يقضيهما ، ثم كيف يرتبهما ؟ فقيل يقدم السورة ، وقيل يقدم الفاتحة وهو الأشبه ، إذ تقديم السورة على الفاتحة غير مشروع فلا يكون مخالفا للمعهود ( قوله ثم ذكر هاهنا ما يدل على الوجوب ) وهو [ ص: 330 ] لفظ الخبر وفي الأصل بلفظ الاستحباب ، ولا يخفى أنه أصرح فيجب التعويل عليه في الرواية لأنها إن كانت مؤخرة فغير موصولة بالفاتحة فلم تكن مراعاتها من كل وجه ( قوله هو الصحيح ) هو ظاهر الرواية احترازا عما ورد عن أبي حنيفة أنه لا يجهر أصلا لأن الجمع شنيع ، وتغيير السورة أولى لأن الفاتحة في محلها وليست تبعا للسورة ، وعنه يجهر بالسورة دون الفاتحة مراعاة لصفة كل منهما ، ولا يكون جمعا تقديرا للالتحاق بمحلها من الأوليين ، [ ص: 331 ] وصححه التمرتاشي وجعله شيخ الإسلام الظاهر من الجواب ( قوله وفي لفظ الكتاب إشارة إليه ) حيث قال : إن شاء جهر وأسمع نفسه ، وإن شاء خافت فجعل إسماعه نفسه جهرا يقابله المخافتة فتكون هي دون ذلك ، وليس حينئذ إلا تصحيح الحروف ، وهذا بناء على أن المراد وأسمع نفسه لا غيره اعتبارا لمفهوم اللقب ، وإلا لو كان المراد مجرد إبداء حسن التعليل والمراد وأسمع نفسه بذلك لم يلزم فيه إشارة إليه .

في المحيط قول الهندواني أصح .

واعلم أن القراءة وإن كانت فعل اللسان لكن فعله الذي هو كلام والكلام بالحروف والحرف كيفية تعرض للصوت وهو أخص من النفس فإنه النفس المعروض بالقرع ، فالحرف عارض للصوت لا للنفس ، فمجرد تصحيحها بلا صوت إيماء إلى الحروف بعضلات المخارج لا حروف فلا كلام .

بقي أن هذا لا يقتضي أن يلزم في مفهوم القراءة أن يصل إلى السمع ، بل كونه بحيث يسمع وهو قول بشر المريسي ، ولعله المراد بقول الهندواني بناء على أن ظاهر سماعه بعد وجود الصوت إذا لم يكن مانع .

( قوله وغير ذلك ) كالتسمية على الذبيحة ووجوب السجدة بتلاوته وجواز الصلاة .

قال شيخ الإسلام : وكذا الإيلاء والبيع على الخلاف ، وقيل الصحيح في البيع أنه لا بد أن يسمع المشتري

التالي السابق


الخدمات العلمية