صفحة جزء
قال ( ومن باع ثمرة [ ص: 287 ] لم يبد صلاحها أو قد بدا جاز البيع ) ; لأنه مال متقوم ، إما لكونه منتفعا به في الحال أو في الثاني ، وقد قيل لا يجوز قبل أن يبدو صلاحها والأول أصح ( وعلى المشتري قطعها في الحال ) تفريغا لملك البائع ، وهذا .

[ ص: 288 ] إذا اشتراها مطلقا أو بشرط القطع ( وإن شرط تركها على النخيل فسد البيع ) ; لأنه شرط لا يقتضيه العقد وهو شغل ملك الغير أو هو صفقة في صفقة وهو إعارة أو إجارة في بيع ، وكذا بيع الزرع بشرط الترك لما قلنا ، وكذا إذا تناهى عظمها عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لما قلنا ، واستحسنه محمد رحمه الله للعادة ، بخلاف ما إذا لم يتناه عظمها ; لأنه شرط فيه الجزء المعدوم وهو الذي يزيد لمعنى في الأرض أو الشجر .

ولو اشتراها مطلقا وتركها بإذن البائع طاب له الفضل ، وإن تركها بغير إذنه تصدق بما زاد في ذاته لحصوله بجهة محظورة ، وإن تركها بعدما تناهى عظمها لم يتصدق بشيء .

[ ص: 289 ] لأن هذا تغير حالة لا تحقق زيادة ، وإن اشتراها مطلقا وتركها على النخيل وقد استأجر النخيل إلى وقت الإدراك طاب له الفضل ; لأن الإجارة باطلة لعدم التعارف والحاجة فبقي الإذن معتبرا ، بخلاف ما إذا اشترى الزرع واستأجر الأرض إلى أن يدرك وتركه حيث لا يطيب له الفضل ; لأن الإجارة فاسدة للجهالة فأورثت خبثا ; .

.
( قوله ومن باع ثمرة [ ص: 287 ] لم يبد صلاحها ) لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر ، ولا في عدم جوازه بعد الظهور قبل بدو الصلاح بشرط الترك ، ولا في جوازه قبل بدو الصلاح بشرط القطع فيما ينتفع به ، ولا في الجواز بعد بدو الصلاح ، لكن بدو الصلاح عندنا أن تأمن العاهة والفساد . وعند الشافعي هو ظهور النضج وبدو الحلاوة ، والخلاف إنما هو في بيعها قبل بدو الصلاح على الخلاف في معناه لا بشرط القطع ; فعند مالك والشافعي وأحمد لا يجوز ; وعندنا إن كان بحال لا ينتفع به في الأكل ولا في علف الدواب خلاف بين المشايخ ، قيل لا يجوز ، ونسبه قاضي خان لعامة مشايخنا ، والصحيح أنه يجوز ; لأنه مال منتفع به في ثاني الحال إن لم يكن منتفعا به في الحال . وقد أشار محمد في كتاب الزكاة إلى جوازه ، فإنه قال : لو باع الثمار في أول ما تطلع وتركها بإذن البائع حتى أدرك فالعشر على المشتري ، فلو لم يكن جائزا لم يوجب فيه العشر على المشتري ، وصحة البيع على هذا التقدير بناء على التعويل على إذن البائع على ما ذكرنا من قريب وإلا فلا انتفاع به مطلقا فلا يجوز بيعه ، والحيلة في جوازه باتفاق المشايخ أن يبيع الكمثرى أول ما تخرج مع أوراق الشجر فيحوز فيها تبعا للأوراق كأنه ورق كله ، وإن كان بحيث ينتفع به ولو علفا للدواب فالبيع جائز باتفاق أهل المذهب إذا باع بشرط القطع أو مطلقا ، ويجب قطعه على المشتري في الحال ، فإن باعه بشرط الترك فإن لم يكن تناهى عظمه فالبيع فاسد عند الكل ، وإن كان قد تناهى عظمه فهو فاسد عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وهو القياس . ويجوز عند محمد استحسانا ، وهو قول الأئمة الثلاثة ، واختاره الطحاوي لعموم البلوى . وفي المنتقى : ذكر أبو يوسف مع محمد وجه قولهما في الصورتين [ ص: 288 ] أنه شرط لا يقتضيه العقد وهو شغل ملك الغير أو هو صفقة في صفقة ) ; لأنه إن شرط بلا أجرة فشرط إعارة في البيع أو بأجرة فشرط إجارة فيه ، ومثل هذا بيع الزرع بشرط الترك . وجه قول محمد في المتناهي الاستحسان بالتعامل ; لأنهم تعارفوا التعامل ، كذلك فيما تناهى عظمه فهو شرط يقتضيه العقد ، وهذا دعوى الشافعي فيما تناهى عظمه وما لم يتناه أنه يجوز ; لأن العادة تركهم إياه إلى الجذاذ . ومحمد يقول بمنعه لما فيه من اشتراط الجزء المعدوم ، وهو الأجزاء التي تزيد بمعنى من الأرض والشجر إلى أن يتناهى العظم ، ولا يخفى أن الوجه لا يتم في الفرق لمحمد إلا بادعاء عدم العرف فيما لم يتناه عظمه ، إذ القياس عدم الصحة للشرط الذي لا يقتضيه العقد في المتناهي وغيره خرج منه المتناهي للتعامل ، فكون ما لم يتناه على أصل القياس إنما يكون لعدم التعامل فيه والجزء المعدوم طرد ، ولو باع ما لم يتناه عظمه مطلقا عن الشرط ثم تركه ، فإما بإذن البائع إذنا مجردا ، أو بإذن في ضمن الإجارة بأن استأجر الأشجار إلى وقت الإدراك ، أو بلا إذن ففي الصورتين الأوليين يطيب له الفضل والأكل ، أما في الإذن المجرد فظاهر ، وأما في الإجارة ; فلأنها إجارة باطلة لعدم التعارف في إجارة الأشجار والحاجة ، فإن الحاجة ليست بمتعينة في ذلك ، وإنما تتعين لو لم يكن مخلص إلا بالاستئجار ، وهنا يمكن أن يشتري الثمار مع أصولها فيتركها عليها . ولا يخفى ما في هذا من العسر فإنه يستدعي شراء ما لا حاجة له إليه أو ما لا يقدر على ثمنه ، وقد لا يوافقه البائع على بيع الأشجار ، فالأول أولى ، وأصل الإجارة مقتضى القياس فيها البطلان ، إلا أن الشرع أجازها للحاجة فيما فيه تعامل ، ولا تعامل في إجارة الأشجار المجردة فلا يجوز ، وكذا لو استأجر أشجارا ليجفف عليها ثيابه لا يجوز ذكره الكرخي . وإذا بطلت بقي الإذن معتبرا فيطيب ، بخلاف ما إذا اشترى الزرع واستأجر الأرض إلى أن يدرك حيث لا يطيب له الفضل ; لأن الإجارة هنا فاسدة ; لأن الأرض يجوز إجارتها ، وإنما فسدت لجهالة الأجل فأورث خبثا أما هنا الإجارة باطلة والباطل لا وجود له فلم يوجد إلا الإذن فطاب ، أما الفاسد فله وجود فكان الإذن ثابتا في ضمنه باعتباره فمنع ، وهنا صار الإذن مستقلا بنفسه ، وهذا بناء على عدم عذره بالجهل في دار الإسلام إن كان جاهلا [ ص: 289 ] ببطلان الإجارة . وفي الثالثة لا يطيب له ويتصدق بما زاد ; لأنه حصل بجهة محظورة ، أما إذا باع ما تناهى عظمه فتركه المشتري بغير إذن البائع فإنه لا يتصدق بشيء ; لأنه لم يزدد في ذاتها شيء ، وهذا قول المصنف ( ; لأن هذا تغير حالة لا تحقق زيادة ) أي تغير من وصف إلى آخر بواسطة إنضاج الشمس عليه ، نعم عليه إثم غصب المنفعة يتعلق به لا بالعين المبيعة بإثبات خبث فيها . وجه قول الشافعي وباقي الأئمة في الخلافية ما في الصحيحين عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحه ، وعن بيع النخل حتى تزهو . قيل : وما تزهو ؟ قال : تحمار أو تصفار } خرج البخاري في الزكاة عن ابن عمر { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها . وكان إذا سئل عن صلاحها قال : حتى تذهب عاهتها } وأخرج أبو داود [ ص: 290 ] والترمذي وابن ماجه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع العنب حتى يسود ، وعن بيع الحب حتى يشتد } قال الترمذي : الحديث حسن غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث حماد بن سلمة . رواه الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم . ولنا ما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام { من اشترى نخلا قد أبرت فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع } فجعله للمشتري بالشرط ، فدل على جواز بيعه مطلقا ; لأنه لم يقيد دخوله في البيع عند اشتراط المبتاع بكونه بدا صلاحه . وفي موطأ مالك عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت { ابتاع رجل ثمرة حائط في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فعالجه وقام حتى تبين له النقصان ، فسأل رب الحائط أن يضع له أو يقيله ، فحلف لا يفعل فذهبت بالمشتري إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال : يأبى أن لا يفعل خيرا ، فسمع بذلك رب الحائط فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هو له } ولولا صحة البيع لم تترتب الإقالة عليه . أما النهي المذكور فهو قد تركوا ظاهره ، فإنهم أجازوا البيع قبل أن يبدو صلاحها بشرط القطع ، وهذه معارضة صريحة لمنطوقه ، فقد اتفقنا على أنه متروك الظاهر ، وهو لا يحل إن لم يكن لموجب ، وهو عندهم تعليله عليه الصلاة والسلام بقوله صلى الله عليه وسلم { أرأيت إن منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه } فإنه يستلزم أن معناه أنه نهى عن بيعها مدركة ، قبل الإدراك ومزهية قبل الزهو . وقد فسر أنس رضي الله عنه زهوها بأن تحمر أو تصفر ، وفسرها ابن عمر بأن تأمن العاهة ، فكان النهي عن بيعها محمرة قبل الاحمرار ومصفرة قبل الاصفرار أو آمنة من العاهة قبل أن يؤمن عليها ، وذلك ; لأن العادة أن الناس يبيعون الثمرة قبل أن تقطع ، فنهى عن هذا البيع قبل أن توجد الصفة المذكورة وما ذكرنا من نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع العنب حتى يسود وهو لا يكون عنبا قبل السواد يفيده فإنه قبله حصرم ، فكان معناه على القطع النهي عن بيع العنب عنبا قبل أن يصير عنبا ، وذلك لا يكون إلا بشرط الترك إلى أن يبدو الصلاح ، ويدل عليه تعليل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله { أرأيت لو منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه } فالمعنى إذا بعتموه عنبا قبل أن يصير عنبا بشرط الترك إلى أن يصير عنبا فمنع الله الثمرة فلم يصر عنبا بم يستحل أحدكم يعني البائع مال أخيه المشتري ، والبيع بشرط القطع لا يتوهم فيه ذلك فلم يكن متناولا للنهي ، وإذا صار محل النهي بيعها بشرط تركها إلى أن تصلح فقد قضينا عهدة هذا النهي ، فإنا قد أفسدنا هذا البيع وبقي بيعها مطلقا غير متناول للنهي بوجه من الوجوه ، فلهذا ترك المصنف الاستدلال لهم في هذه الخلافية بالحديث ، وحينئذ فالحديث المذكور لنا فيها : أعني حديث التأبير سالم عن المعارض ، وكذلك المعنى وهو أنه مبيع منتفع به في الحال أو في الثاني إلى آخره ، وبهذا التقرير ظهر أن ليس حديث التأبير عاما عارضه خاص وهو حديث بدو الصلاح ، وأن الترجيح هنا ينبغي أن يكون للخاص ; لأنه مانع وحديثنا مبيح بل لا يتناول أحدهما ما يتناول الآخر . والحاصل أن بيع ما لم يبد صلاحها إما بشرط القطع ، وهو جائز اتفاقا ; لأنه غير متناول للنهي لما ذكرنا ، وإما مطلقا فإذا كان حكمه لزوم القطع كان بمثله بشرط القطع فلم يبق محل النهي إلا بيعها بشرط الترك ، ونحن قائلون بأنه فاسد .

التالي السابق


الخدمات العلمية