صفحة جزء
قال ( وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع عن ملك البائع ) ; لأن البيع في جانب الآخر لازم ، وهذا ; لأن الخيار إنما يمنع خروج البدل .

[ ص: 307 ] عن ملك من له الخيار ; لأنه شرع نظرا له دون الآخر . قال : إلا أن المشتري لا يملكه عند أبي حنيفة ، وقالا : يملكه ; لأنه لما خرج عن ملك البائع فلو لم يدخل في ملك المشتري يكون زائلا لا إلى مالك ولا عهد لنا به في الشرع . ولأبي حنيفة أنه لما لم يخرج الثمن عن ملكه فلو قلنا بأنه يدخل المبيع في ملكه لاجتمع البدلان في ملك رجل واحد حكما للمعاوضة ، ولا أصل له في الشرع ; لأن المعاوضة تقتضي المساواة ; ولأن الخيار شرع نظرا للمشتري ليتروى فيقف على المصلحة ، ولو ثبت الملك ربما يعتق عليه من غير اختياره بأن كان قريبه فيفوت النظر .

[ ص: 308 ] قال ( فإن هلك في يده هلك بالثمن ، وكذا إذا دخله عيب ) بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع . ووجه الفرق أنه إذا دخله عيب يمتنع الرد ، والهلاك لا يعرى عن مقدمة عيب فيهلك ، والعقد قد انبرم فيلزمه الثمن ، بخلاف ما تقدم ; لأن بدخول العيب لا يمتنع الرد حكما بخيار البائع فيهلك والعقد موقوف .


( قوله وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع عن ملك البائع ) وقوله ( لأن البيع ) إلى آخره تعليل لمحذوف وهو قولنا فيخرج المبيع عن ملك البائع ; لأن البيع في جانبه لازم بات فقد تم السبب في حقه وانتفى ما يمنعه من عمله إذا كان خيار المشتري لا يمنعه فيخرج ( وهذا ; لأن الخيار إنما يمنع خروج البدل ) الذي هو [ ص: 307 ] من جهة ( من له الخيار ) لما ذكرنا أنه يوجب عدم الرضا بخروج ملكه عنه فلا يؤثر السبب خروجه لعدم شرط عمله فيبقى على ملكه كما كان . وقوله ( إلا أن المشتري لا يملكه ) بمعنى لكن ، وهو استدراك لأمر متبادر عند قوله بخروج المبيع عن ملك البائع إذا كان الخيار للمشتري وهو المقدر الذي ذكرناه ، فإنه يتبادر بحكم العادة أنه إذا خرج المبيع عن ملك البائع يدخل في ملك المشتري ، وهذا ( عند أبي حنيفة ، وقالا : يملكه ) المشتري ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في قول ( لأنه لما خرج عن ملك البائع لو لم يدخل في ملك المشتري يكون زائلا لا إلى ) ملك ( مالك ولا عهد لنا به في الشرع ) في باب التجارة والمعاوضة فيكون كالسائبة فلا يرد شراء متولي أمر الكعبة إذا اشترى عبدا لسدانة الكعبة ، والضيعة الموقوفة بعبيدها إذا ضعف أحدهم فاشترى ببدله آخر فإنه لا يدخل في ملك المشتري ; لأن ذلك ليس من هذا الباب بل من باب الأوقاف وحكم الأوقاف ذلك ، وكذا لا ترد التركة المستغرقة بالدين فإنها تخرج عن ملك الميت ولا تدخل في ملك الورثة ولا الغرماء للقيد المذكور ( ولأبي حنيفة رضي الله عنه أنه لما لم يخرج الثمن عن ملكه فلو قلنا إنه يدخل المبيع في ملكه اجتمع البدلان ) والثمن والمبيع ( في ملك ) أحد المتعاوضين ( حكما للمعاوضة ولا أصل له في الشرع ) وأنى يكون ( والمعاوضة تقتضي المساواة ) بين المتعاوضين في تبادل ملكيهما ، بخلاف ضمان غاصب المدبر إذا أبق من عنده سواء قلنا إنه بدل اليد أو الملك حيث لا يخرج المدبر به عن ملك مالكه فيجتمع العوضان في ملك واحد ، فإنه ضمان جناية لا ضمان معاوضة شرعية ، وهذا ألزم في الشرع مما ذكرناه ، فإن المشتري للسدانة والوقف كائن في المعاوضة وهو يخرج ولا يدخل في ملك أحد ( ولأن خيار المشتري شرع نظرا له ليتروى فيقف على المصلحة ) في رأيه ( ولو أثبتنا الملك له ) بمجرد البيع مع خياره ألحقناه نقيض مقصوده ( إذ ربما ) كان المبيع من ( يعتق عليه ) فيعتق ( من غير اختياره ) فيعود شرع الخيار على موضوعه بالنقض إذا كان مفوتا للنظر وذلك لا يجوز ، وقد أورد على هذا لو لم يثبت الملك للمشتري لم يستحق به الشفعة [ ص: 308 ] لأن استحقاقها بالملك ولذا لا تثبت بحق السكنى لكنه يستحقها إذا بيعت بجوارها بالاتفاق والإجماع أجيب بأنه إنما استحقها ; لأنه صار أحق بها تصرفا لا ; لأنه ملكها كالعبد المأذون يستحقها إذا بيعت دار بجواره بهذا المعنى . وحاصل هذا مع قصر استحقاق الشفعة على حقيقة الملك بل هو أو ما في معناه ، وهذا تكلف لا يحتاج إليه ، وستأتي المسألة معللة بانبرام البيع في ضمن طلب الشفعة فيثبت مقتضى تصحيحا ، وما في الأجناس لو بيعت دار بجنبها فأخذها بالشفعة لا يبطل خيار الرؤية فله أن يردها إذا رآها ويبطل خيار الشرط ( فإن هلك ) المبيع ( في يد المشتري ) ولو في مدة الخيار ( هلك بالثمن ، وكذا إذا دخله عيب ) لا يرجى زواله كأن قطعت يده ولو بغير صنعه فإنه يلزمه الثمن ويمتنع الرد ، بخلاف ما لو كان يرجى زواله في المدة بأن مرض فإن المشتري على خياره ، لكن ليس له أن يرده مريضا بل حتى يبرأ في المدة ، فإن مضت المدة ولم يبرأ لزم البيع فيه . وعن أبي يوسف يبطل خيار المشتري في كل عيب بأي وجه كان إلا في خصلة ، وهي أن النقصان إذا حصل في يد المشتري بفعل البائع لا يبطل خياره ، بل إن شاء رده وإن شاء أجاز البيع وأخذ الأرش من البائع . وقوله ( بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع ) متصل بقوله هلك بالثمن : يعني الفرق بين ما إذا كان الخيار للبائع فهلك المبيع في يد المشتري فإنه يهلك بالقيمة ، وبين ما إذا كان للمشتري فهلك في يد المشتري فإنه يهلك بالثمن هو أن الهلاك لا يخلو عن مقدمة عيب ودخول العيب يمنع الرد حال قيامه كائنا ما كان ، فإذا اتصل به الهلاك لم توجد حالة مجوزة للرد فيهلك وقد انبرم العقد ، وانبرام العقد يوجب الثمن لا القيمة ( بخلاف ما تقدم ) من كون الخيار للبائع ، فإن تعيب المبيع لا يمنع الرد حكما لخيار البائع ( فيهلك والعقد موقوف ) فيبطل العقد فلا يضمن الثمن بل القيمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية