صفحة جزء
( وكذا إذا قال رضيت ثم رآه له أن يرده ) لأن الخيار معلق بالرؤية لما روينا فلا يثبت قبلها ، وحق الفسخ قبل الرؤية بحكم أنه عقد غير لازم لا بمقتضى الحديث ، [ ص: 338 ] ولأن الرضا بالشيء قبل العلم بأوصافه لا يتحقق فلا يعتبر قوله رضيت قبل الرؤية بخلاف قوله رددت .


وقوله ( وكذا إذا قال رضيت ) إلى آخره ، أي وكذا له الخيار إذا رآه : يعني إذا قال رضيت كائنا ما كان قبل الرؤية ثم رآه له أن يرده ; لأن ثبوت الخيار معلق في النص بالرؤية حيث قال فهو بالخيار إذا رآه ، والمعلق بالشرط عدم قبل وجوده والإسقاط لا يتحقق قبل الثبوت . وقوله وحق الفسخ إلخ جواب عن مقدر وهو طلب الفرق بين الفسخ والإجازة قبل الرؤية . فإنه إذا أجاز قبلها لا يلزم ، [ ص: 338 ] وإذا فسخ قبلها لزم مع استواء نسبة التصرفين في تعليقهما بالشرط في الحديث ولا وجود للمعلق قبل الشرط .

وحاصل الجواب أن المعلق بالشرط هو عدم قبل وجوده إذا لم يكن له سبب غير ذلك الشرط ، فإن الشيء قد يثبت بأسباب كثيرة ; فالحديث لما علق الخيار بالرؤية ثبت به تعليق كل من الإجازة والفسخ بها ; لأن معنى الخيار أن له أن يجيز وأن يفسخ ، ثم لم تثبت الإجازة بسبب آخر فبقي على العدم حتى يثبت سببه وهو الرؤية ، بخلاف خيار العيب سببه وهو العيب قائم قبل الرؤية ، فإذا قال رضيت قبل الرؤية سقط خياره إذا اطلع عليه لرضاه بالعيب قبل ذلك .

وأما الفسخ فثبت له سبب آخر وهو عدم لزوم هذا العقد على المشتري ، وما كان غير لازم عليه له أن يفسخه بالضرورة كالعارية الوديعة وإلا فهو لازم وقد فرض غير لازم ، هذا خلف .

وقد سلك المصنف رحمه الله مسلك الطحاوي في عدم نقل خلاف في جواز الرد قبل الرؤية ، ونقل في التحفة فيه اختلاف المشايخ منهم من منع وأنه لا رواية فيه . وأما قول المصنف ( ولأن الرضا بالشيء قبل العلم بأوصافه لا يتحقق فلا يعتبر قوله رضيت قبل الرؤية ) فلو تم لزم أن لا يصح البيع بشرط البراءة من العيوب ; لأن حاصله الرضا بالبيع قبل رؤية العيب ، ثم لمن يمنع الفسخ قبل الرؤية أن يمنع وجود سبب آخر غير الرؤية ، وقولكم عدم اللزوم سبب آخر قبل الرؤية .

قلنا : نمنع تحقق عدم اللزوم بل نقول قبل الرؤية البيع بات فليس له فسخه ، فإن الشارع علق إثبات قدرة الفسخ والإجازة التي هي الخيار بالرؤية فقبله يثبت حكم السبب وهو اللزوم إلى غاية الرؤية ثم يرفعه عندها فتثبت قدرة الفسخ والإجازة معا . واعلم أن خيار الرؤية يثبت في أربعة مواضع ليس غير شراء الأعيان والإجازة .

والصلح عن دعوى مال على عين والقسمة ، وعرف من هذا أنه لا يكون في الديون فلا يكون في المسلم فيه ولا في الأثمان الخالصة ، بخلاف ما لو كان البيع إناء من أحد النقدين فإن فيه الخيار .

ولو تبايعا مقايضة ثبت الخيار لكل منهما ، ومحله كل ما كان في عقد ينفسخ بالفسخ لا ما لا ينفسخ كالمهر وبدل الصلح عن القصاص وبدل الخلع وإن كانت أعيانا ; لأنه لا يفيد فيها ; لأن الرد لما لم يوجب الانفساخ بقي العقد قائما ، وقيامه يوجب المطالبة بالعين لا بما يقابلها من القيمة ، فلو كان له أن يرده كان له أن يرده أبدا ، وليس للبائع أن يطالب المشتري بالثمن ما لم يسقط [ ص: 339 ] خيار الرؤية منه ولا يتوقف الفسخ على قضاء ولا رضا بل بمجرد قوله رددت ينفسخ قبل القبض وبعده ، لكن بشرط علم البائع عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف كما هو خلافهم في الفسخ في خيار الشرط

التالي السابق


الخدمات العلمية