صفحة جزء
( والإباق والبول في الفراش والسرقة في الصغير عيب ما لم يبلغ ، فإذا بلغ فليس ذلك بعيب حتى يعاوده بعد البلوغ ) ومعناه : إذا ظهرت عند البائع في صغره ثم حدثت عند المشتري في صغره فله أن يرده ; لأنه عين ذلك ، وإن حدثت بعد بلوغه لم يرده ; لأنه غيره ، وهذا ; لأن سبب هذه [ ص: 358 ] الأشياء يختلف بالصغر والكبر ، فالبول في الفراش في الصغر لضعف المثانة ، وبعد الكبر لداء في باطنه ، والإباق في الصغر لحب اللعب والسرقة لقلة المبالاة ، وهما بعد الكبر لخبث في الباطن ، والمراد من الصغير من يعقل ، فأما الذي لا يعقل فهو ضال لا آبق فلا يتحقق عيبا . .


( قوله والإباق والبول في الفراش والسرقة عيب في الصغير ) وقوله ( ما لم يبلغ ) بمعنى مدة عدم بلوغه يجري مجرى البدل من الصغير ، وإذا كان ذلك عيبا في الصغير فظهرت عند البائع ثم وجدت أيضا عند المشتري في الصغر أن يرده به . ثم قال القدوري ( فإذا بلغ فليس ذلك بعيب حتى يعاوده بعد البلوغ ) وقد أعطى المصنف معنى هذه الجملة حيث قال ( ومعناه ) أي معنى قوله فإذا بلغ إلى آخره ، وحاصله أنه إذا ظهرت هذه الأشياء عند البائع في صغره ووجدت عند المشتري بعد البلوغ لم يرده به ; لأنه غير ذلك الذي كان عند البائع وبينه ( بأن سبب هذه [ ص: 358 ] الأشياء يختلف بالصغر والكبر ، فالبول في الفراش ) للصغير ( لضعف المثانة ، وبعد الكبر لداء في الباطن ، والإباق في الصغر لحب اللعب والسرقة ) في الصغير ( لقلة المبالاة ، وهما بعد الكبر لخبث في الباطن ) فإذا اختلف سببها بعد البلوغ وقبله كان الموجود منها بعده غير الموجود منها قبله .

وإذا كان غيره فلا يرد به ; لأنه عيب حادث عنده ، بخلاف ما إذا ظهرت عند البائع والمشتري في الصغر أو ظهرت عندهما بعد البلوغ ، فإن له أن يرده بها ، وإذا عرف الحكم وجب أن يقرر اللفظ المذكور في المختصر وهو قوله فإذا بلغ فليس ذلك الذي كان قبله عند البائع بعيب إذا وجد بعده عند المشتري حتى يعاوده بعد البلوغ عند المشتري بعدما وجد بعده عند البائع ، واكتفى بلفظ المعاودة ; لأن المعاودة لا تكون حقيقة إلا إذا اتحد الأمر ; لأنه لا يقال عاد زيد فيما إذا ابتدأ غيره ، فعرض تحقق المعاودة بعد البلوغ يوجب وجوده منه قبل البلوغ أيضا وإلا فلا معاودة .

وقوله ليس بعيب : أي لا يرد به ، وقوله والمراد من الصغير إلى آخره تقييد للصغير الذي ذكر أنه إذا وجد منه شيء من هذه الأمور عند البائع والمشتري يرد بأن يكون صغيرا يعقل .

وأما الصغير الذي لا يعقل فهو إذا فقد ضال لا آبق ، وكذا لا يكون بوله وسرقته عيبا . قال في الإيضاح : السرقة والبول في الفراش قبل أن يأكل وحده ويشرب وحده ليس بعيب ; لأنه لا يعقل ما يفعل وبعد ذلك عيب ما دام صغيرا . وكذا روى أبو يوسف في الأمالي عن أبي حنيفة . وفي بعض المواضع : ويستنجي وحده ، وإذا قدر بها حذو ما قدر به في الحضانة اقتضى أن يكون ابن سبع سنين إذا صدر منه ذلك لا يرد به ; لأنهم قدروا الذي يأكل وحده إلى آخره بذلك ، لكن وضع التصريح في غير موضع بتقديره بدون خمس سنين . وفي الفوائد الظهيرية هنا مسألة عجيبة ، هي أن من اشترى عبدا صغيرا فوجده يبول في الفراش كان له الرد ، ولو تعيب بعيب آخر عند المشتري كان له أن يرجع بالنقصان ، فإذا رجع به ثم كبر العبد هل للبائع أن يسترد النقصان لزوال ذلك العيب بالبلوغ . لا رواية فيها .

قال : وكان والدي يقول : ينبغي أن يسترد استدلالا بمسألتين أحدهما إذا اشترى جارية فوجدها ذات زوج كان له أن يردها ، ولو تعيبت بعيب آخر رجع بالنقصان ، فإذا رجع به ثم أبانها الزوج كان للبائع أن يسترد النقصان لزوال ذلك العيب ، فكذا فيما نحن فيه . والثانية إذا اشترى عبدا فوجده مريضا كان له الرد ، ولو تعيب بعيب آخر رجع بالنقصان ، فإذا رجع ثم برئ بالمداواة لا يسترد وإلا [ ص: 359 ] استرد ، والبلوغ هنا لا بالمدواة فينبغي أن يسترد انتهى .

وفي فتاوى قاضي خان : اشترى جارية وادعى أنها لا تحيض واسترد بعض الثمن ثم حاضت ، قالوا : إذا كان البائع أعطاه على وجه الصلح عن العيب كان للبائع أن يسترد ذلك . وفيها أيضا اشترى عبدا وقبضه فحم عنده وكان يحم عند البائع قال الإمام أبو بكر محمد بن الفضل : المسألة محفوظة عن أصحابنا أنه إن حم في الوقت الذي كان يحم فيه عند البائع كان له أن يرده ، وفي غيره فلا ، فقيل له : فلو اشترى أرضا فنزت عند المشتري وقد كانت تنز عند البائع ، قال : له أن يرد ; لأن سبب النز واحد وهو تسفل الأرض وقرب الماء ، إلا أن يجيء ماء غالب أو كان المشتري رفع شيئا من ترابها فيكون النز غير ذلك أو يشتبه فلا يدري أنه عينه أو غيره .

قال القاضي الإمام : يشكل بما في الزيادات : اشترى جارية بيضاء إحدى العينين ولا يعلم ذلك فانجلى البياض عنده ثم عاد ليس له أن يرد ، وجعل الثاني غير الأول ، ولو اشترى جارية بيضاء إحدى العينين وهو يعلم ذلك فلم يقبضها حتى انجلى ثم عاد عند البائع ليس للمشتري الرد ، وجعل الثاني عين الأول الذي رضي به إذا كان الثاني عند البائع ولم يجعله عينه إذا عاد البياض عند المشتري وقال : لا يرد ثم قال القاضي الإمام كنت أشاور شمس الأئمة الحلواني وهو يشاور معي فيما كان مشكلا إذا اجتمعنا فشاورته في هذه المسألة فما استفدت منه فرقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية