صفحة جزء
( فإن قتل المشتري العبد أو كان طعاما فأكله لم يرجع بشيء عند أبي حنيفة رحمه الله [ ص: 371 ] أما القتل فالمذكور ظاهر الرواية وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يرجع ) ; لأن قتل المولى عبده لا يتعلق به حكم دنياوي فصار كالموت حتف أنفه فيكون إنهاء . ووجه الظاهر أن القتل لا يوجد إلا مضمونا ، وإنما يسقط الضمان هاهنا باعتبار الملك فيصير كالمستفيد به عوضا ، بخلاف الإعتاق ; لأنه لا يوجب الضمان لا محالة كإعتاق المعسر عبدا مشتركا ، وأما الأكل فعلى الخلاف ، فعندهما يرجع وعنده لا يرجع استحسانا ، وعلى هذا الخلاف إذا لبس الثوب حتى تخرق لهما أنه صنع في المبيع ما يقصد بشرائه ويعتاد فعله فيه فأشبه الإعتاق . وله أنه تعذر الرد بفعل مضمون منه في المبيع فأشبه البيع والقتل ، ولا معتبر بكونه مقصودا ; ألا يرى أن البيع مما يقصد بالشراء ثم هو يمنع الرجوع ، فإن أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب فكذا الجواب عند أبي حنيفة رحمه الله ; لأن الطعام كشيء واحد فصار كبيع البعض [ ص: 372 ] وعندهما أنه يرجع بنقصان العيب في الكل ، وعنهما أنه يرد ما بقي ; لأنه لا يضره التبعيض . .


( قوله فإن قتل المشتري العبد ) أي لم يمت عنده حتف أنفه ( أو كان ) المبيع ( طعاما فأكله لم يرجع بشيء عند أبي حنيفة رضي الله عنه [ ص: 371 ] أما القتل فالمذكور ) من عدم الرجوع فيه ( ظاهر الرواية ) عن أصحابنا ( وعن أبي يوسف أنه يرجع ) وذكر صاحب الينابيع أن محمدا معه وهو قول الشافعي وأحمد ( لأن قتل المولى عبده لا يتعلق به حكم دنياوي ) من قصاص أو دية ( فكان كالموت حتف أنفه ) وإنما يتعلق به حكم الآخرة من استحقاق العقاب إذا كان بغير حق ( ووجه الظاهر أن القتل لا يوجد إلا مضمونا ) قال صلى الله عليه وسلم { ليس في الإسلام دم مفرج } أي مهدر ( وإنما سقط الضمان ) عن المولى ( بسبب الملك ) وكذا لو باشره في غير ملكه كان مضمونا ، ولما سقط الضمان عن المولى ( صار كالمستفيد بالعبد عوضا ) هو سلامة نفسه إن كان عمدا وسلامة الدية للمولى إن كان خطأ فكان كأنه باعه ( بخلاف الإعتاق ) ; لأنه ليس بفعل مضمون لا محالة ; لأنه في ملك الغير لا ينفذ ، وعتق أحد الشريكين إن نفذ لا يتعلق به ضمان إذا كان معسرا ، بل إذا كان موسرا على تقدير فلم يوجبه بذاته فلم يستفد : أي لم يلزم استفادته بالإعتاق عن ملكه شيئا حقيقة ولا حكما .

( وأما الأكل فعندهما يرجع به ) وبه قال الشافعي وأحمد ، وفي الخلاصة عليه الفتوى ، وبه أخذ الطحاوي ( وعنده لا يرجع استحسانا ، وعلى هذا الخلاف إذا لبس الثوب حتى تخرق ) ثم اطلع على عيب عنده لا يرجع وعندهما يرجع ( لهما أنه صنع بالمبيع ما يقصد بشرائه ويعتاد فعله فيه ) من الأكل واللبس حتى انتهى الملك به ( فكان كالإعتاق ) بخلاف القتل والإحراق ونحوه من الاستهلاك ليس معتادا غرضا من الشراء مقصودا به ( وله أنه أتلفه بفعل مضمون منه ) لو وجد في غير ملكه غير أنه سقط : أي انتفى الضمان لملكه فكان كالمستفيد به عوضا ( كالقتل ) فلا يرجع ( ولا معتبر بكونه مقصودا ) بالشراء ; لأنه وصف طردي لا أثر له في إثبات الرجوع ( ألا ترى أن البيع مما يقصد بالشراء ثم هو يمنع الرجوع ) وجعل المصنف قول أبي حنيفة استحسانا مع تأخيره جوابه عن دليلهما يفيد مخالفته في كون الفتوى على قولهما .

وأورد عليه القطع والخياطة فإنهما موجبان للضمان في ملك الغير مع أنه يرجع بالنقصان فيهما ، أجيب بأن امتناع الرد فيهما لحق الشرع لا لفعله ، ولا كذلك هنا فإنه امتنع لفعله لا لحق الشرع وهذا يتم في الخياطة للزيادة ، أما في مجرد القطع فلا يتم ولذا لو قبله البائع مقطوعا كان له ذلك بخلافه مخيطا ومصبوغا بغير السواد ( قوله ولو أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب فكذا الجواب عنده ) يعني لا يرد ما بقي ولا يرجع بالنقصان فيما أكل ( لأن الطعام كشيء واحد ) حتى كان رؤية بعضه كرؤية كله يسقط الخيار ( فصار كما لو باع بعضه ) ثم اطلع على عيب فإنه يبطل حقه في الرجوع [ ص: 372 ] من غير قول زفر فإنه قال : يرجع بنقصان العيب في الباقي إلا أن يرضى البائع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن ، وعنهما روايتان : رواية أنه يرجع بنقصان العيب في الكل فلا يرد الباقي ، ورواية يرد ما بقي ; لأن الطعام لا يضره التبعيض فكان قادرا على الرد كما أخذه ويرجع بالنقصان فيما أكل ، هكذا ذكر المصنف ، وهو نقل القدوري في كتاب التقريب .

وفي شرح الطحاوي أن الأول قول أبي يوسف قال : يرجع بالنقصان في الكل إلا أن يرضى البائع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن ، وأن الثاني قول محمد قال : وكان الفقيه أبو جعفر يفتي بقول محمد وهو اختيار الفقيه أبي الليث ، وفي شرح المجمع قال أبو يوسف : يرد ما بقي إن رضي البائع ; لأن استحقاق الرد في الكل دون البعض فيتوقف على رضاه ، وقال محمد : يرد ما بقي وإن لم يرض لما ذكرنا أن التبعيض لا يضره ، وفيما لو باع البعض عنهما روايتان : في رواية لا يرجع بشيء كما هو قول أبي حنيفة ; لأن الطعام كشيء واحد فيبيع البعض كبيع الكل ، وفي رواية يرد ما بقي ; لأنه لا يضره التبعيض ولكن لا يرجع بالنقصان فيما باع ، وفي المجتبى عن جمع البخاري أكل بعضه يرجع بنقصان عيبه ويرد ما بقي ، وبه يفتي .

ولو أطعمه ابنه الكبير أو الصغير أو امرأته أو مكاتبه أو ضيفه لا يرجع بشيء ، ولو أطعمه عبده أو مدبره أو أم ولده يرجع ; لأن ملكه باق ، ولو اشترى دقيقا فخبز بعضه وظهر أنه مر رد ما بقي ورجع بنقصان ما خبز هو المختار ، ولو كان سمنا ذائبا فأكله ثم أقر البائع أنه كان وقعت فيه فأرة رجع بالنقصان عنده وبه يفتي ، وفي الكفاية : كل تصرف يسقط خيار العيب إذا وجده في ملكه بعد العلم بالعيب فلا رد ولا أرش ; لأنه كالرضا به .

التالي السابق


الخدمات العلمية