صفحة جزء
قال ( ولكل واحد من المتعاقدين فسخه ) رفعا للفساد ، وهذا قبل القبض ظاهر ; لأنه لم يفد حكمه فيكون الفسخ امتناعا منه ، وكذا بعد القبض إذا كان الفساد في صلب العقد لقوته ، وإن كان الفساد بشرط زائد فلمن له الشرط ذلك دون من عليه لقوة العقد [ ص: 466 ] إلا أنه لم تتحقق المراضاة في حق من له الشرط . قال ( فإن باعه المشتري نفذ بيعه ) ; لأنه ملكه فملك التصرف فيه وسقط حق الاسترداد لتعلق حق العبد بالثاني ونقض الأول لحق الشرع وحق العبد مقدم لحاجته ، [ ص: 467 ] ولأن الأول مشروع بأصله دون وصفه ، والثاني مشروع بأصله ووصفه فلا يعارضه مجرد الوصف ; ولأنه حصل بتسليط من جهة البائع ، بخلاف تصرف المشتري في الدار المشفوعة ; لأن كل واحد منهما حق العبد ويستويان في المشروعية وما حصل بتسليط من الشفيع .


( قوله : ولكل واحد من المتبايعين فسخه رفعا للفساد ) أي للمعصية فرفعه حق لله تعالى ، فإن نفس العقد مكروه والجري على موجبه بالتصرف في المبيع تمليك أو انتفاع بوطء أو لبس أو أكل كذلك : أي يكره لما فيه من تقرير المعصية وهي كراهة التحريم . والوجه أن يكون حراما ; لأن الإجماع على منعه شرعا قطعي يوجب الحرمة ، وعرف من تعليل المصنف برفع المعصية أن الواجب أن يقال : وعلى كل واحد فسخه ، غير أنه أراد مجرد بيان ثبوت ولاية الفسخ فوقع تعليله أخص من دعواه .

وحاصل المنقول في المسألة أنه إذا كان الفساد في صلب العقد وهو ما يرجع إلى الثمن أو المثمن كبيع درهم بدرهمين أو ثوب بخمر فيملك كل فسخه بحضرة الآخر عندهما ; لأنه وإن كان حق الشرع ففيه إلزام موجب الفسخ فلا يلزمه إلا بعلمه . وعند أبي يوسف بغير حضرته أيضا ولم يحك المصنف هذا الخلاف ( وإن كان الفساد بشرط زائد ) كالبيع على أن يقرضه ونحوه ، أو إلى أجل مجهول فكل واحد يملك فسخه قبل القبض وأما بعد القبض فيستقل ( من له ) منفعة ( الشرط ) والأجل بالفسخ كالبائع في صورة الإقراض والمشتري في الأجل بحضرة الآخر ( دون من عليه ) عند محمد رحمه الله تعالى ; لأن منفعة الشرط إذا كانت عائدة عليه صح فسخه ; لأنه يقدر أن يسقط الأجل فيصح العقد ، فإذا فسخه فقد أبطل حقه لقدرته على تصحيح العقد ، وعندهما لكل منهما حق الفسخ ; لأنه مستحق حقا للشرع فانتفى اللزوم عن العقد ، والعقد إذا كان غير لازم تمكن كل من فسخه .

كذا في الذخيرة والإيضاح والكافي فعلى هذا المذكور هنا قول محمد وحده ، وهذا إذا كان المبيع في يد المشتري على حاله لم يزد ولم ينقص ، أما إذا زاد المشترى في يد المشتري زيادة متصلة متولدة من الأصل أو لا أو منفصلة كذلك أو انتقص بآفة سماوية أو بفعل [ ص: 466 ] الغير بائعا أو مشتريا أو أجنبيا فسنذكره .

وقوله ( إلا أنه ) إلى آخره جواب سؤال يرد على قوله لقوة العقد ، وهو أنه لما كان قويا ينبغي أن لا يكون لأحد ولاية الفسخ وإن كان له منفعة الشرط . فأجاب بأن القياس ذلك ، إلا أنه لما لم تتحقق المراضاة في حقه كان له الفسخ ( قوله فإن باعه ) أي باع المشتري ما اشتراه شراء فاسدا بيعا صحيحا ( نفذ بيعه ; لأنه ملكه فملك التصرف فيه وسقط حق ) البائع الأول في ( الاسترداد لتعلق حق العبد ) بالعقد ( الثاني ونقض الأول ) ما كان إلا ( لحق الشرع وحق العبد ) عند معارضة حق الله تعالى ( يقدم ) بإذن الله لغناه سبحانه وتعالى وسعة عفوه وجوده وفقر العبد وضيقه ، ولا ينقض بالصيد إذا أحرم مالكه وهو في يده حيث يقدم حق الشرع على العبد .

; لأنا نقول : الواجب عليه إطلاقه لا إخراجه عن ملكه ، فيطلقه بحيث لا يضيع عليه ، وهذا جمع بين الحقين ولا ينقض باسترداد وارث البائع إذا كان البائع من المشتري مع أنه تعلق به حق العبد وهو الوارث ; لأن الحق المتعلق للوارث هو نفس الحق الذي كان للمشتري وكان مشغولا بحق البائع في الرد فينتقل إليه كذلك ، أما الموصى له بالمبيع فكالمشتري الثاني فليس لورثة البائع استرداده منه ; لأن له ملكا متجددا بسبب اختياري لا بتصرف من المشتري ، ولو قيل المشتري الثاني أيضا إنما ينقل إليه المبيع مشغولا بذلك الحق ; لأن ذلك كان فيه للبائع الأول وليس في قدرته أن يبطل حقه فلا يصل ما باعه إلى المشتري إلا مشغولا بذلك احتاج إلى الجواب [ ص: 467 ] و ) أيضا ( الأول مشروع بأصله لا وصفه ، والثاني مشروع بأصله ووصفه فلا يعارضه ) ; لزيادة قوته ( ولأنه ) أي البيع الثاني ( حصل بتسليط من جهة البائع ) أي البائع الأول ; لأن التمليك منه مع الإذن في القبض تسليط على التصرف فلا يتمكن من الاسترداد من المشتري الثاني وإلا كان ساعيا في نقض ما تم به ويؤدي إلى المناقضة ، قيل عليه فعدم تمكنه من الاسترداد في بيع نفسه حينئذ أولى .

والجواب أنه قبل بيع المشتري وتصرفه لم يكن باسترداده ساعيا في نقض ما تم به ; لأن الكائن من جهته تسليط على البيع وتمامه بأن يفعل المسلط ، وهذا التسليط نفسه معصية فجعل له رحمة عليه أن يتدارك بالتوبة ، وذلك يكون قبل الفوات بفعل المسلط ، فإذا لم يتدارك حتى فعل وتعلق به حق عبد فقد فوت على نفسه المكنة بتقصيره ، وحقيقة الحال أن حق كل من البائع والمشتري ليس إلا لتدارك رفع المعصية بالتوبة ، ومتى أخر حتى تعلق حق عبد من المشتري والموهوب له والموصى له فقد فوته .

أما الوارث فإنه مأمور بخلاص ميته من المعصية ما أمكن فشرع له ذلك الحق لذلك . وهذا ( بخلاف صرف المشتري في الدار المشفوعة ) بالبيع والهبة فإنه لا يمنع حق الشفيع ، وله أن ينقض هذه التصرفات ويأخذها بالشفعة وإن تعلق بها [ ص: 468 ] حق الغير ; لأن حق الشفيع وحق البائع حق العبد فيعارضه ، ويترجح الشفيع لأنه أسبق ; ولأنه لم يوجد من الشفيع تسليط على الشراء كما في البائع .

وأورد فينبغي أن يكون حق المشتري أحق من حق الشفيع ; لأنه ثان فيكون ناسخا .

أجيب بأنه إنما ينسخ إذا كان مثله في القوة والسبق من أسباب الترجيح فتترجح الشفعة

التالي السابق


الخدمات العلمية