صفحة جزء
[ ص: 478 ] قال ( وعن بيع الحاضر للبادي ) فقد قال عليه الصلاة والسلام { لا يبع الحاضر للبادي } وهذا إذا كان أهل البلد في قحط وعوز ، وهو أن يبيع من أهل البدو طمعا في الثمن الغالي لما فيه من الإضرار بهم أما إذا لم يكن كذلك فلا بأس به لانعدام الضرر . قال : ( والبيع عند أذان الجمعة ) قال الله تعالى { وذروا البيع } ثم فيه إخلال بواجب السعي على بعض الوجوه ، وقد ذكرنا الأذان المعتبر فيه في كتاب الصلاة . قال ( وكل ذلك يكره ) لما ذكرنا ، ولا يفسد به البيع ; لأن الفساد في معنى خارج زائد لا في صلب العقد ولا في شرائط الصحة [ ص: 479 ] قال ( ولا بأس ببيع من يزيد ) وتفسيره ما ذكرنا . وقد صح { أن النبي عليه الصلاة والسلام باع قدحا وحلسا ببيع من يزيد ; ولأنه بيع الفقراء والحاجة ماسة إلى نوع منه } .


[ ص: 478 ] قوله وعن بيع الحاضر للبادي ) تقدم النهي عنه ، ومحمل النهي ( إذا كان أهل البلد في عوز ) أي حاجة ( أو قحط وهو يبيع من أهل البدو طمعا في الثمن الغالي ) للإضرار بهم وهم جيرانه ( أما إذا لم يكن كذلك فلا بأس لانعدام الضرر ) وقال الحلواني : هو أن يمنع السمسار الحاضر القروي من البيع ويقول له لا تبع أنت أنا أعلم بذلك منك فيتوكل له ويبيع ويغالي .

ولو تركه يبيع بنفسه لرخص على الناس . وفي بعض الطرق زاد قوله صلى الله عليه وسلم { دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض } وفي المجتبى : هذا التفسير أصح ، ذكره في زاد الفقهاء لموافقته الحديث ، وعلى هذا فتفسير ابن عباس بأن لا يكون له سمسارا ليس هو تفسير الحاضر للبادي وهو صورة النهي بل تفسير لضدها وهي الجائزة ، فالمعنى أنه نهى عن بيع السمسار وتعرضه ، فكأنه لما سئل عن علية نهي بيع الحاضر للبادي قال : المقصود أن لا يكون له سمسارا فنهى عنه للسمسار ( قوله والبيع عند أذان الجمعة . قال تعالى )

إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة إلى قوله تعالى { وذروا البيع } كأنه يجعل الوقت من حين الأذان مشغولا بصلاة الجمعة تعظيما لها كما قالوا في النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر قبل التغير ( وفيه ) زيادة أنه قد يفضي إلى ( الإخلال بواجب السعي على بعض الوجوه ، وقد ذكرنا الأذان المعتبر في منع البيع في كتاب الصلاة ) وهو ما يكون بعد دخول الوقت ، وقوله ( كل ذلك يكره ) أي كل ما ذكرناه من أول الفصل إلى هنا يكره : أي لا يحل على ما قدمناه ( ولا يفسد به البيع باتفاق علمائنا حتى يجب الثمن ) ويثبت الملك قبل القبض وهو قول الشافعي ، لكنه يثبت الخيار في تلقي الركبان على ما قدمناه ، وقدمنا قول مالك بالبطلان فيه وفي النجش .

وكذا بيع الحاضر للبادي ، وبه قال أحمد ، وعلل الصحة ( بأن الفساد ) فيه ( في معنى خارج زائد لا في صلب العقد ولا في شرائط الصحة ) واستشكله في الكافي ; لأن البيع يفسد بالشرط وهو خارج عن العقد ليس في صلبه قال : إلا أن يئول الخارج بالمجاور ، وأنت علمت ما [ ص: 479 ] عندنا في ذلك ( قوله ولا بأس ببيع من يزيد ) وهو صفة البيع الذي في أسواق مصر المسمى بالبيع في الدلالة ( لأنه صلى الله عليه وسلم باع قدحا وحلسا ببيع من يزيد ) روى أصحاب السنن الأربعة من حديث أنس بن مالك أن { رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال له : أما في بيتك شيء ؟ قال : بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقعب نشرب فيه الماء ، قال : ائتني بهما ، فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : من يشتري هذين ؟ فقال رجل : أنا آخذهما بدرهم ، فقال : من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا ، فقال رجل : أنا بدرهمين ، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين ، فأعطاهما الأنصاري وقال : اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر فأسا فأتني به ، فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال : اذهب فاحتطب وبع ، ولا أرينك خمسة عشر يوما ، فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم ، فاشترى ببعضها ثوبا وبعضها طعاما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة : لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع } .

وأخرجه الترمذي مختصرا { أنه صلى الله عليه وسلم باع حلسا وقدحا فيمن يزيد } قال الترمذي : حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان عن عبد الله الحنفي ، وقد رواه غير واحد عن الأخضر بن عجلان وقال في علله الكبير : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال : الأخضر بن عجلان ثقة ( قوله نوع منه ) أي من البيع المكروه : أي الذي لا يحل على ما عرفت أن الكراهة تحريمية ، وإنما فصله ; لأن الكراهة فيه لمعنى يرجع إلى غير المعقود عليه وفيما تقدم لما يرجع إليه أو ; لأنها مسائل يجمعها معنى واحد هو التفريق ، بخلاف الأول

التالي السابق


الخدمات العلمية