صفحة جزء
[ ص: 17 ] قال ( وعقد الصرف ما وقع على جنس الأثمان يعتبر فيه قبض عوضيه في المجلس ) [ ص: 18 ] لقوله عليه الصلاة والسلام { والفضة بالفضة هاء وهاء } معناه يدا بيد ، وسنبين الفقه في الصرف إن شاء الله تعالى .

قال ( وما سواه مما فيه الربا يعتبر فيه التعيين ولا يعتبر فيه التقابض خلافا للشافعي في بيع الطعام ) .

له قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المعروف { يدا بيد } ولأنه إذا لم يقبض في المجلس فيتعاقب القبض وللنقد مزية [ ص: 19 ] فتثبت شبهة الربا .

ولنا أنه مبيع متعين فلا يشترط فيه القبض كالثوب ، وهذا لأن الفائدة المطلوبة إنما هو التمكن من التصرف ويترتب ذلك على التعيين ، بخلاف الصرف لأن القبض فيه ليتعين به ; ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام { يدا بيد } عينا بعين ، وكذا رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، وتعاقب القبض لا يعتبر تفاوتا في المال عرفا ، بخلاف النقد والمؤجل .


( قوله وعقد الصرف ما وقع على جنس الأثمان ) ذهبا وفضة بجنسه أو بغير جنسه ، فإن كان بجنسه اشترط فيه التساوي والتقابض قبل افتراق الأبدان ، وإن اختلف المجلس حتى لو عقدا عقد الصرف ومشيا فرسخا ثم تقابضا وافترقا صح وأن لا يكون به خيار ، وكذا السلم ولا أجل كذا ذكر ، وهو مستدرك لأن اشتراط التقابض يفيده .

ولو أسقط الخيار والأجل في المجلس عاد صحيحا خلافا لزفر ، وإن كان بخلاف جنسه كالذهب بالفضة اشترط ما سوى التساوي . واستدل على اشتراط التقابض بقوله صلى الله عليه وسلم { الفضة بالفضة ربا إلا هاء وهاء } وروى ابن أبي شيبة من حديث [ ص: 18 ] ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء ، والورق بالورق ربا إلا هاء وهاء ، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء ، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء ، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء } ورواه أصحاب الكتب الستة { الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء ، والبر بالبر ربا } إلى آخره ، وهاء ممدود من هاء وألف وهمزة بوزن هاع مبني على الفتح ، ومعناه خذ وهات : يعني هو ربا إلا فيما يقول كل منهما لصاحبه خذ ، ومنه { هاؤم اقرءوا كتابيه } وفسره بأنه يعني يدا بيد في الحديث المتقدم ثم قال ( وما سواه ) أي ما سوى عقد الصرف ( مما فيه الربا ) من بيع الأموال الربوية بجنسها ، أو بخلاف الجنس يعتبر فيه التعيين ولا يعتبر فيه التقابض ، فلو افترقا بعد تعيين البدلين عن غير قبض جاز عندنا ( خلافا للشافعي في بيع الطعام ) أي كل مطعوم حنطة أو شعير أو لحم أو فاكهة فإنه يشترط فيه التقابض لقوله صلى الله عليه وسلم { يدا بيد } ولأنه حينئذ يقع التعاقب في القبض وللنقد [ ص: 19 ] مزية فيكون كالمؤجل إذ يحصل التفاوت في البدلين .

( ولنا أنه مبيع متعين فلا يشترط في ) صحة بيعه ( والقبض كالثوب ) بالثوب والعبد بالعبد ونحو ذلك ، وهذا لأن الفائدة المطلوبة إنما هو التمكن من التصرف وذلك يترتب على التعيين فلا حاجة إلى اشتراط شرط آخر وهو القبض ، بخلاف الصرف لأن التعيين لا يحصل فيه إلا بالقبض ، فإن الدراهم والدنانير لا تتعين مملوكة بالعقد إلا بالقبض . قال : ومعنى ( قوله يدا بيد عينا بعين ) وكذا رواه عبادة بن الصامت تقدم رواية عبادة بن الصامت " يدا بيد " وله رواية أخرى عند مسلم " عينا بعين " ولفظه في مسلم { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى } وفيه قصة ، وقوله يقع التعاقب فيحصل التفاوت ممنوع ، بل هذا القدر مهدر لا يعد زيادة ما لم يذكر الأجل .

وقد استشكل بأنه استدل ب " يدا بيد " على اشتراط التقابض قبل الافتراق في الصرف ، ثم استدل به هنا على أن الشرط التعيين لا التقابض فيكون تعميما للمشترك أو للحقيقة في المجاز .

والجواب أنه فسر هاء وهاء ب " يدا بيد " ، وفسر يدا بيد بالتعيين لرواية عينا بعين ، واستدلاله به على التقابض في الصرف لا ينفيه لأن الاستدلال به هناك إنما هو على التعيين أيضا ، لكن لما كان التعيين هناك بالتقابض يكون لا بغيره ، لما قلنا إنها لا تتعين إلا بالقبض كان الاستدلال بها عليه استدلالا عليه ، لكي ينبغي أن يقال حمل يدا بيد على معنى عينا بعين ليس أولى من قلبه . وأجيب عنه بأن رواية عينا بعين تفسير للمحتمل ، لأن يدا بيد يحتمل معنيين فهي تفسير له .

ولو كان المراد منه القبض لم يبق لقوله عينا بعين فائدة لأنه يحصل بالقبض ضرورة فلزم [ ص: 20 ] أن عينا بعين تفسيرا ليدا بيد . ولقائل أن يدفعه بمنع الاحتمال بل هو ظاهر في التقابض . ويجب أن يحمل عينا بعين عليه لأن القبض أخص من التعيين ، وكل قبض يتضمن تعيينا وليس كل تعيين قبضا ، وباب الربا باب احتياط فيجب أن تحمل العينية على القبض ، ويؤيده فهم عمر رضي الله عنه كذلك في الصحيحين : أن مالك بن أوس اصطرف من طلحة بن عبيد الله صرفا بمائة دينار ، فأخذ طلحة الذهب يقلبها في يده ثم قال : حتى يأتي خازني من الغابة وعمر يسمع ذلك ، فقال : والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء ، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء ، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء ، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء } وبهذا استدل ابن الجوزي على اشتراط التقابض على أبي حنيفة رضي الله عنه ، وكيف ومعنى هاء خذ وهو من أسماء الأفعال ومنه { هاؤم اقرءوا كتابيه } وقال قائل : تمزج لي من بغضها السقاء ثم تقول من بعيد هاء .

وأما ما نقل من قياس الشافعي على الصرف في اشتراط التقابض فدفع بأن الاسم ينبئ هناك عن صرف كل إلى الآخر ما في يده ، والمعاني الفقهية تعطف على الأسماء الشرعية ، وليس في الفرع ذلك إلا أنه لا حاجة له إليه لأن الدليل السمعي على الوجه الذي قررناه يستقل بمطلوبه

التالي السابق


الخدمات العلمية