صفحة جزء
قال ( ويجوز بيع اللحم بالحيوان ) عند أبي حنيفة وأبي يوسف .

وقال محمد : إذا باعه بلحم من جنسه لا يجوز [ ص: 26 ] إلا إذا كان اللحم المفرز أكثر ليكون اللحم بمقابلة ما فيه من اللحم والباقي بمقابلة السقط ، إذ لو لم يكن كذلك يتحقق الربا من حيث زيادة السقط أو من حيث زيادة اللحم فصار كالخل بالسمسم .

ولهما أنه باع الموزون بما ليس بموزون ، [ ص: 27 ] لأن الحيوان لا يوزن عادة ولا يمكن معرفة ثقله بالوزن لأنه يخفف نفسه مرة بصلابته ويثقل أخرى ، بخلاف تلك المسألة لأن الوزن في الحال يعرف قدر الدهن إذا ميز بينه وبين الثجير ، ويوزن الثجير .


( قوله ويجوز بيع اللحم بالحيوان عنه أبي حنيفة وأبي يوسف ) سواء كان اللحم من جنس ذلك [ ص: 26 ] الحيوان أو لا مساويا لما في الحيوان أو لا بشرط التعيين ، أما بالنسيئة فلا لامتناع السلم في الحيوان واللحم .

وفصل محمد رحمه الله فقال : إن باعه بلحم غير جنسه كلحم البقرة بالشاة الحية . ولحم الجزور بالبقرة الحية يجوز كيفما كان ، وإن كان من جنسه كلحم شاة بشاة حية فشرطه أن يكون اللحم المفرز أكثر من اللحم الذي في الشاة ليكون لحم الشاة بمقابلة مثله من اللحم ، وباقي اللحم ( بمقابلة السقط إذ لو لم يكن كذلك يتحقق الربا ) إما لزيادة السقط إن كان اللحم المفرز مثل ما في الحيوان من اللحم ، أو لزيادة اللحم إن كان اللحم أقل مما في الشاة فصار كبيع الحل بالمهملة وهو دهن السمسم لا يجوز إلا على ذلك الاعتبار ، والمراد بالسقط ما لا يطلق عليه اسم اللحم كالكرش والمعلاق والجلد والأكارع ; ولو كانت الشاة مذبوحة مسلوخة جاز إذا تساويا وزنا بالإجماع ، والمراد بالمسلوخة المفصولة من السقط ، وإن كانت بسقطها لا يجوز إلا على الاعتبار .

ولو باع شاة مذبوحة بشاة حية يجوز عند الكل ، أما عندهما فظاهر لأنه لو اشتراها باللحم جاز كيفما كان فكذلك إذا اشتراها بشاة مذبوحة ، وأما على قول محمد فإنما يجوز لأنه لحم بلحم وزيادة اللحم في إحداهما مع سقطها بإزاء السقط ، وعلى هذا شاتان مذبوحتان غير مسلوختين بشاة مذبوحة لم تسلخ يجوز ، لأن اللحم بمثله وزيادة لحم الشاة بإزاء الجلد ونحوه ، فالمراد هنا من المسلوخة وغيرها باعتبار الجلد وعدمه . وقال مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله : لا يجوز بيع اللحم بالحيوان أصلا لا بطريق الاعتبار ولا بغيره ، خلافا للمزني من أصحاب الشافعي فإنه قال كقول أبي حنيفة وأبي يوسف .

ولو باعه بلحم غير جنسه كلحم البقرة بشاة فقال مالك وأحمد يجوز ، وللشافعي قولان والأصح لا يصح لعموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان . وجه قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله في الإطلاق ( أنه باع موزونا بما ليس بموزون ) فغايته اتحاد الجنس كما قال محمد باعتبار ما في الضمن كالعصير مع العنب واللبن مع السمن ، [ ص: 27 ] لكن اتحاده مع اختلاف المقدر به إنما يمتنع به النساء فقلنا بشرط التعيين ولا يجوز النساء فيه ، وإنما قلنا إن الحيوان ليس بموزون ( لأنه لا يوزن عادة ) فليس فيه أحد المقدرين الشرعيين الوزن أو الكيل ، لأن الحيوان لا يعرف قدر ثقله بالوزن لأنه يثقل نفسه ويخففها فلا يدرى حاله ، بخلاف الدهن والسمسم ( لأن الوزن يعرف قدر الدهن إذا ميز من الثجير ) ثم يوزن الثجير هذا على التنزل وإلا فهما على ما قال غير المصنف يعتبران لحم الشاة مع الشاة الحية جنسين أخذا من قوله تعالى { فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر } أي بعد نفخ الروح ، فعلم أن الحي مع الجماد جنسان فيجوز بيع أحدهما بالآخر من غير اعتبار ، وإنما امتنع النساء لأنه حينئذ سلم وهو لا يجوز كما قدمناه .

واعلم أن السمع ظاهر في منع بيع اللحم بالحيوان ، ومنه ضعيف وقوي ، فمن القوي ما رواه مالك في الموطإ وأبو داود في المراسيل عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان } .

وفي لفظ { نهى عن بيع الحي بالميت } . ومرسل سعيد مقبول بالاتفاق . وقال ابن خزيمة : حدثنا أحمد بن حفص السلمي ، حدثني أبي ، حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن حجاج عن قتادة عن الحسن عن سمرة نحوه . قال البيهقي : إسناده صحيح ، ومن أثبت سماع الحسن من سمرة عده موصولا ومن لم يثبته فهو مرسل جيد . وأنت تعلم أن المرسل عندنا حجة مطلقا .

وأسند الشافعي إلى رجل مجهول من أهل المدينة أنه صلى الله عليه وسلم { نهى عن أن يباع حي بميت } ، وأسند أيضا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه " أنه نهى عن بيع اللحم بالحيوان " ، وبسنده إلى القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن أنهم كرهوا ذلك وهؤلاء تابعون ، وحديث أبي بكر رضي الله عنه لعله بالمعنى ، فإن مشايخنا ذكروه عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن جزورا نحر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي بعناقه فقال : أعطوني بهذا العناق لحما ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : لا يصح هذا } وتأولوه على أنه كان من إبل الصدقة نحر ليتصدق به

التالي السابق


الخدمات العلمية