صفحة جزء
قال ( ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه [ ص: 81 ] موجودا من حين العقد إلى حين المحل ، حتى لو كان منقطعا عند العقد موجودا عند المحل أو على العكس أو منقطعا فيما بين ذلك لا يجوز ) وقال الشافعي رحمه الله : يجوز إذا كان موجودا وقت المحل لوجود القدرة على التسليم حال وجوبه . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { لا تسلفوا في الثمار حتى يبدو صلاحها } ولأن القدرة على التسليم بالتحصيل فلا بد من استمرار الوجود في مدة الأجل ليتمكن من التحصيل .


( قوله ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه [ ص: 81 ] موجودا من حين العقد إلى حين المحل ) بكسر الحاء مصدر ميمي من الحلول ( حتى لو كان منقطعا عند العقد موجودا عند المحل أو على العكس أو منقطعا فيما بين ذلك ) وهو موجود عند العقد والمحل ( لا يجوز ) وهو قول الأوزاعي ( وقال الشافعي ) ومالك وأحمد وإسحاق ( إذا كان موجودا عند المحل جاز ) وإن كان منقطعا وقت العقد أو بينهما لأن اشتراط الوجود للقدرة على التسليم وهو بالوجود وقت المحل فاشتراطه في غير ذلك بلا موجب ، بل دليل نفيه عدم دليل وجوده لأن نفي المدرك الشرعي يكفي لنفي الحكم الشرعي .

ولهم أيضا إطلاق الحديث المتقدم أعني { أنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجدهم يسلفون في الثمر السنة والسنتين والثلاث } فأفاض في بيان الشرط الشرعي فلم يزد على قوله { من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم } فلو كان عدم الانقطاع شرطا لبينه ، وحين لم يبينه لم يثبت بل لزم أنه ليس شرطا بسكوته عنه بعد شروعه في بيان ما هو شرط على ما عرف في مثله .

قلنا : بل فيه مدرك شرعي ، وهو ما رواه أبو داود وابن ماجه ، واللفظ له عن أبي إسحاق { عن رجل نجراني . قلت : لعبد الله بن عمر أسلم في نخل قبل أن تطلع ؟ قال لا ، قلت لم ؟ قال لأن رجلا أسلم في حديقة نخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تطلع النخل فلم تطلع النخل شيئا ذلك العام ، فقال المشتري : أؤخرك حتى تطلع ، فقال البائع : إنما النخل هذه السنة ، فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال للبائع : أخذ من نخلك [ ص: 82 ] شيئا ؟ قال لا ، قال : بم تستحل ماله ، اردد عليه ما أخذت منه ولا تسلموا في نخل حتى يبدو صلاحه }

وجه الدلالة أنه أولا يصدق على السلم إذا وقع قبل الصلاح أنه بيع ثمرة قبل بدو صلاحها ، وفيه مجهول كما رأيت ، والحديث المعروف وهو أنه صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها } فيكون متناولا للنهي ، ويدل عليه ما أخرج البخاري عن أبي البختري قال : سألت ابن عمر عن السلم في النخل قال { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يصلح ، وعن بيع الورق نساء بناجز } وسألت ابن عباس رضي الله عنهما عن السلم في النخل فقال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يؤكل منه } فقد ثبت عن هذين الصحابيين الكبيرين في العلم والتتبع أنهما فهما من نهيه عن بيع النخل حتى يصلح بيع السلم ، فقد دل الحديث على اشتراط وجوده وقت العقد والاتفاق على اشتراطه عند المحل فلزم اشتراط وجوده عندهما على خلاف قولهم .

وأما لزوم وجوده بينهما فإما لعدم القائل بالفصل لأن الثابت قائلان : قائل باشتراطه عند المحل فقط ، وقائل عندهما وفيما بينهما ، فالقول باشتراطه عندهما لا غير إحداث قول ثالث ، ونقول ذلك بتعليل النص على اشتراطه عند العقد مع أن الأداء يتأخر عنه فلا يضطر إليه عنده بأن اشتراطه للقدرة على التسليم ظاهر ، لأن الظاهر استمرار الوجود وبالاستمرار يتمكن من التحصيل ، فإن أخذ السلم مظنة العدم وبالأخذ بذلك مظنة التحصيل شيئا فشيئا في مدة الأجل وباعتبار الظنة تناط الأحكام فلا يلتفت إلى كون بعض من يسلم إليه قد يحصله دفعة عند حلول الأجل كالذراع وأهل النخل ، فإن ما يسلم فيه لا يحصى وأكثرهم يحصل المسلم فيه بدفعات ، أرأيت المسلم إليه في الجلود أيذبح عند حلول الأجل ألف رأس ليعطي جلودها لرب السلم ، وكذا الأسماك المالحة والثياب والأخشاب والأحطاب والأعسال .

والمشاهد في بعض من له نخل أو زيتون أن يأخذ أكثر مما يتحصل له ليعطي ما يخرج له ويشتري الباقي ، وكثير يأخذون ليستريحوا في رأس المال وينفقوا من فضل الكسب على عيالهم ويحصلوا المسلم فيه قليلا قليلا ، لأن وضع المسلم شرعا لاعتبار ظن ما ذكرنا فيكون هو السبب في اشتراط الشرع وجوده عند العقد ، ثم الانقطاع الذي يفسد العقدان لا يوجد في السوق الذي يباع فيه وإن كان يوجد في البيوت .

ذكره أبو بكر الثلجي وتواردوا عليه . وفي مبسوط أبي الليث : لو انقطع في إقليم دون إقليم لا يصح السلم في الإقليم الذي لا يوجد لأنه لا يتحصل إلا بمشقة عظيمة فيعجز عن التسليم ، حتى لو أسلم في الرطب ببخارى لا يجوز وإن كان بسجستان

التالي السابق


الخدمات العلمية