صفحة جزء
[ ص: 90 ] قال ( ولا يصح السلم عند أبي حنيفة رحمه الله إلا بسبع شرائط : جنس معلوم ) كقولنا حنطة أو شعير ( ونوع معلوم ) كقولنا سقية أو بخسية ( وصفة معلومة ) كقولنا جيد أو رديء ( ومقدار معلوم ) كقولنا كذا كيلا بمكيال معروف وكذا وزنا ( وأجل معلوم ) والأصل فيه ما روينا والفقه فيه ما بينا ( ومعرفة مقدار رأس المال إذا كان يتعلق العقد على مقداره ) كالمكيل والموزون والمعدود [ ص: 91 ] ( وتسمية المكان الذي يوفيه فيه إذا كان له حمل ومؤنة ) وقالا : لا يحتاج إلى تسمية رأس المال إذا كان معينا ولا إلى مكان التسليم ويسلمه في موضع العقد ، فهاتان مسألتان . ولهما في الأولى أن المقصود يحصل بالإشارة فأشبه الثمن والأجرة وصار كالثوب . ولأبي حنيفة أنه ربما يوجد بعضها زيوفا لا يستبدل في المجلس ، فلو لم يعلم قدره لا يدري في كم بقي أو ربما لا يقدر على تحصيل المسلم فيه فيحتاج إلى رد رأس المال ، والموهوم في هذا العقد كالمتحقق [ ص: 92 ] لشرعه مع المنافي ، بخلاف ما إذا كان رأس المال ثوبا لأن الذرع وصف فيه لا يتعلق العقد على مقداره .


( قوله ولا يصح السلم عند أبي حنيفة رضي الله عنه إلا بسبع شرائط ) تذكر في العقد .

وأما عندهما فهي الخمس الأولى . ولا شك أن للسلم شروطا غيرها ولكن لا يشترط لصحة السلم ذكرها في العقد بل وجودها . وشرائط جمع شريطة ، فقول بعضهم في بعض النسخ سبع وهو الأصح ليس كذلك بل سبعة على تقدير كون المعدود شرطا وسبع على تقديرها شريطة وكل وارد على اعتبار خاص ، والمعروف من النسخ ليس إلا المشهور سبع شرائط ( جنس معلوم كحنطة شعير ونوع معلوم كسقية ) وهي ما يسقى سيحا ( أو بخسية ) وهي ما يسقى بالمطر ونسبت إلى البخس لأنها مبخوسة الحظ من الماء بالنسبة إلى السيح غالبا ( وصفة معلومة كجيد رديء ) وسط مشعر سالم من الشعير ( ومقدار معلوم كذا كيلا بمكيال معلوم ) فهذه أربعة تشترط في كل من رأس المال والمسلم فيه فهي ثمانية بالتفصيل ، فإن ما يجوز كونه مسلما فيه يجوز كونه رأس السلم ولا ينعكس ، فإن النقود تكون رأس مال ولا سلم فيه ( و ) الخامس ( أجل معلوم ) والأصل فيه : أي في اشتراط هذه الخمسة ما روينا : يعني قوله صلى الله عليه وسلم { من أسلم منكم } الحديث ، نص على شرطي القدر المعلوم والأجل المعلوم ، وثبت باقي الخمسة بالدلالة لظهور إرادة الضبط المنافي للمنازعة .

وقوله ( والفقه فيه ما بينا ) يعني قوله ولأن الجهالة مفضية إلى المنازعة ( و ) السادس ( ذكر مقدار رأس المال إذا كان رأس المال يتعلق العقد على قدره ) يعني تنقسم أجزاء المسلم فيه على أجزائه ، وهو أن يكون الثمن من المكيلات أو الموزونات أو المعدودات المتقاربة ، وهذا الشرط في قدره احترازا عما إذا كان ثوبا لأن الذراع وصف لا يتعلق العقد على مقداره ، وإعلام الوصف بعد الإشارة ليس بشرط ، ولهذا لو اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع فوجده أحد عشر تسلم له الزيادة ، ولو وجده تسعة لا يحط عنه شيئا من الثمن ، والمسلم [ ص: 91 ] فيه لا ينقسم على عدد الذرعان ليشترط إعلامه لأن الأوصاف لا يقابلها شيء فجهالة قدر الذرعان لا تؤدي إلى جهالة المسلم فيه ، وهنا المسلم فيه بمقابلة المقدرات فيؤدي إلى جهالة المسلم فيه فيفسد العقد ، وهذا شرط في المسلم فيه اتفاقا فصارت أحد عشر شرطا .

والثاني عشر تسمية مكان الإيفاء وهو يخص المسلم فيه . والثالث عشر أن أن لا يشمل البدلين إحدى علتي الربا لأن انفراد أحدهما يحرم النساء وأن لا يكون فيه خيار الشرط . والرابع عشر أن يتعين المسلم فيه بالتعيين فلا يصح السلم في الدراهم والدنانير وتقدم ، في التبر روايتان .

والخامس عشر انعقاد الثمن على قول أبي حنيفة ، كذا ذكر بسبب اشتراطه لأجل إعلام قدره ( و ) السابع ( تسمية المكان الذي يوفيه فيه إذا كان للمسلم فيه حمل ومؤنة ) أي إذا كان نقله يحتاج إلى أجرة ونحوه لثقله ( وقالا : لا يحتاج إلى تسمية رأس المال إذا كان معينا ) يقبضه دفعة ( ولا إلى مكان التسليم ويسلمه في موضع العقد ، فهاتان مسألتان ) خلافيتان بينه وبينهما ( لهما في الأولى ) وبقولهما قال مالك وأحمد والشافعي في قول إن المقصود من إعلام قدر رأس المال وهو التسليم بلا منازعة ( يحصل بالإشارة ) إلى العين الثمن المعجل فأغني عن إعلام قدره وصار كثمن المبيع المعجل ، والأجرة المعجلة في الإجارة والمضاربة إذا دفع إلى آخر دراهم معينة غير معلومة المقدار مضاربة بالنصف فإنه جائز وكرأس المال الذي لا ينقسم المسلم فيه عليه كالثوب والعبد فإنه لا يشترط فيه إعلام كمية ذرعانه بالاتفاق وله .

ما روي عن ابن عمر أنه قال به ، وقول الفقيه من الصحابة مقدم على القياس . والقياس على المسلم فيه بجامع أنه عوض تناوله عقد السلم ، ولأن جهالة قدر المسلم فيه مانع اتفاقا وجهالة رأس المال مؤد إليه ، [ ص: 92 ] وما يؤدي إلى الممتنع شرعا ممتنع شرعا . بيان تأديته إليه أنه ربما ينفق رأس المال كما ينفقه المحتاجون فربما يظهر فيه زيوف فيختار الاستبدال به ورده .

وقد يكون أكثر رأس المال زيوفا فإنه إذا رده واستبدل بها في المجلس يفسد السلم عند أبي حنيفة لأنه لا يجيز الاستبدال في أكثر من النصف خلافا لهما .

وقد لا يتفق الاستبدال بها في مجلس الرد فينفسخ العقد في مقدار ذلك ، فإذا لم يكن قدر المكيل معلوما لم يدر في كم انتقض وفي كم بقي فيصير المسلم فيه مجهول المقدار ، وكذا لو استحق بعضه يلزم هذا أيضا ، وهذا وإن كان موهوما فالموهوم في هذا العقد له حكم المعلوم ( لشرعه مع المنافي ) وهو كون المبيع معدوما فإن ما يشرع لذلك يكون ضعيفا في الشرعية فيؤثر فيه توهم الغرر المذكور .

وهذا في الحقيقة تعليل قوله صلى الله عليه وسلم { أرأيت لو أذهب الله ثمرة هذا الحائط بم يستحل أحدكم مال أخيه ؟ } ( بخلاف ما إذا كان رأس المال ثوبا لأن الذرع وصف فيه ) وكذا لو اشتراه على أنه عشرة فإذا هو خمسة عشر كان كله له والمبيع لا يقابل الأوصاف فلا يتعلق العقد على قدره ، ولهذا لو ظهر الثوب أو الحيوان المجعول رأس مال مخرقا وسمى عددا من الذرعان فيه فوجده المسلم إليه أنقص أو بعض أعضاء الحيوان تالفا لا ينتقص من المسلم فيه شيء . بل المسلم إليه بالخيار إن شاء رضي به بكل المسلم فيه ، وإن شاء فسخ لفوات الوصف المرغوب فيه .

واستشكل بأن هذا اعتبار لشبهة الشبهة أو أنزل منها فإن في وجود الزيف احتمالا . ثم اختيار الرد كذلك ، ثم عدم الاستبدال به في مجلس الرد فيه أيضا ذلك ، والمعتبر الشبهة لا النازل كما أفاده الحديث فإن المعتبر فيه الشبهة لا غير وهو احتمال أن لا تخرج الثمرة .

أجيب تارة بأنها شبهة واحدة فإن الكل مبني على وجود الزيف ، وتارة بأن السؤال فاسد لأن الشبهة ما يشبه الثابت وليس بثابت كالنقد مع النسيئة ، وليس هذا كذلك وإنما اعتبر الموهوم بالنص المذكور على أن طريق المنع ما انحصر في وجود الزيف بل ظهور استحقاق رأس المال كما ذكرنا أنه طريق ، ومما يدل على صحة اعتبار الموهوم في هذا العقد إجماعنا على أنه لا يصح السلم بمكيال رجل [ ص: 93 ] بعينه لا يعرف مقداره لاحتمال هلاك هذا الكيل قبل الحلول .

التالي السابق


الخدمات العلمية