صفحة جزء
قال ( ومن قال لغيره بع عبدك من فلان بألف درهم على أني ضامن لك خمسمائة من الثمن سوى الألف [ ص: 123 ] ففعل فهو جائز ويأخذ الألف من المشتري والخمسمائة من الضامن ، وإن كان لم يقل من الثمن جاز البيع بألف ولا شيء على الضمين ) وأصله أن الزيادة في الثمن والمثمن جائز عندنا ، وتلحق بأصل العقد خلافا لزفر والشافعي لأنه تغيير للعقد من وصف مشروع إلى وصف مشروع وهو كونه عدلا أو خاسرا أو رابحا ، ثم قد لا يستفيد المشتري بها شيئا بأن زاد في الثمن وهو يساوي المبيع بدونها فيصح اشتراطها على الأجنبي كبدل الخلع لكن من شرطها المقابلة تسمية وصورة ، فإذا قال من الثمن وجد شرطها فيصح ، وإذا لم يقل لم يوجد فلم يصح .


( قوله ومن قال لغيره : بع عبدك من فلان بألف درهم على أني ضامن لك خمسمائة من الثمن سوى الألف فقال [ ص: 123 ] بعت فهو جائز ) وهو جواب للكل سواء كان قول الضامن ذلك بعد مفاوضة بين فلان وسيد العبد بألف وإباء أو ابتداء . قال في بعض الشروح : ويكون البيع بعده دلالة على القبول ; لأنه امتثال بذلك كقول الرجل لامرأته طلقي نفسك إن شئت فقالت طلقت ، يجعل قبولا استحسانا ، فكذا هذا . وفي بعضها ما يفيد أنه إيجاب فإنه قال : ولو لم يكن إباء ولا مساومة وحصل إيجاب العقد عقيب ضمان الرجل كان كذلك ، وهذا هو الصواب ; لأن قوله بع عبدك أمر ولفظة الأمر لا تكون في البيع إيجابا على ما مر من أنه لو قال بعني هذا بكذا فقال بعت لا ينعقد حتى يقبل الآخر بعده ، بخلاف طلقي نفسك في التفويض في الخلع فلا بد أن المشتري يقول بعد بعت من البائع اشتريت أو معناه على ما سلف هناك ، ولو لم يقل من الثمن فباع جاز البيع بألف فقط لأنه إذا قال : من الثمن فقد أضاف التزامه زيادة خمسمائة في الثمن إلى بيعه ، والزيادة في الثمن جائزة عندنا خلافا لزفر والشافعي رحمهما الله .

والضمان جائز الإضافة فقد وجد المقتضي للزوم بلا مانع . وإذا لم يقل من الثمن لم يلتزم الخمسمائة من الثمن بل التزم مالا يعطيه إياه إن باعه بألف ، وهذه رشوة إذ لم تقابل بالمبيع حيث لم يقل من الثمن فينعقد بألف فقط ، ثم في الأول إن كان بأمر المشتري كان له أن يحبس المبيع حتى يأخذ الخمسمائة من الضامن ; لأن البيع على المشتري صار بألف وخمسمائة ، وللمشتري أن يرابح على ألف وخمسمائة ، ولو كانت دارا ولها شفيع أخذها بألف وخمسمائة .

ولو رد [ ص: 124 ] بعيب أو تقايلا فالبائع يرد الألف على المشتري والخمسمائة على الضامن ، ولو كان بغير أمره لم تثبت الزيادة في حق المشتري فليس للبائع حبس المبيع على الخمسمائة ويرابح على ألف ويأخذها الشفيع بألف .

ولو تقايلا أو ردت بعيب أو تقايلا البيع فللأجنبي أن يسترد الخمسمائة .

فإن قيل : ينبغي أن لا يصح هذا لأن الشراء على أن الثمن على الأجنبي لا يجوز فكذا على أن يكون بعضه عليه . أجاب الكرخي بمنع كون الشراء على أن الثمن على الأجنبي لا يجوز إذ لا رواية فيه عن أصحابنا . وتعقبه الرازي بأن محمدا نص على أنه إذا اشترى بدين له على غير البائع لا يجوز لأنه شرط في البيع كون تسليم الثمن على المشتري ، فأولى أن لا يجوز إذا كان أصل الثمن على غير المشتري ، ثم اختار أن القياس أن لا يجوز ولكنا تركناه بمعنى حديث أبي قتادة { في الذي امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه للدين الذي عليه فالتزمه أبو قتادة رضي الله عنه فصلى عليه } فقد التزم دينا لا في مقابلة شيء يحصل للملتزم وهذه الزيادة من الأجنبي كذلك إذ لم يحصل للأجنبي في مقابلتها شيء .

ودفع بأنه لو كان بالنظر إلى مقتضى هذا الحديث لزم جواز اشتراط كل الثمن على الأجنبي ولا يجوز ذلك . فالجواب هو ما ذكره المصنف أن هذه الزيادة لها شبه ببدل الخلع حيث لم يكن في مقابلته شيء يسلم للملتزم وبدل الخلع يجوز اشتراطه على الأجنبي ، وقد يقال : هذا التعليل قاصر ، فإن الزيادة كما لا تكون في مقابلة شيء تكون في مقابلة شيء ، ووجودها في مقابلة شيء أكثر أحوال العقد ، فإن أحواله ثلاثة : كونه خاسرا ، ورابحا ، وعدلا . وكونها لا في مقابلة شيء في وجه من الثلاثة ، وهو كونه رابحا فلا يجوز اعتبار الأقل بل الواجب اعتبار الحال الأغلبية في المشابهة خصوصا إذا كان يبنى عليها حكم شرعي ، فالأولى ما قيل : إن الزيادة ثبتت تبعا فجاز أن تثبت على الغير بخلاف أصل الثمن الثابت مقصودا . فإن قيل : لو ثبتت الزيادة ثمنا والأجنبي ضامن لها لزم جواز مطالبة المشتري بها كالكفيل .

قلنا : لا يلزم من صحة الكفالة توجه المطالبة على الأصيل ، ألا ترى أن من قال لزيد على فلان ألف وأنا كفيل بها فأنكر فلان طولب الكفيل بها دون فلان فجاز هنا كذلك ، وذلك لأن المشتري لم يلتزمها إنما التزم هذا القدر من الثمن الأجنبي والحكم لا يثبت بلا سبب .

التالي السابق


الخدمات العلمية