صفحة جزء
[ ص: 124 ] قال ( ومن اشترى جارية ولم يقبضها حتى زوجها فوطئها الزوج فالنكاح جائز ) لوجود سبب الولاية ، [ ص: 125 ] وهو الملك في الرقبة على الكمال وعليه المهر . ( وهذا قبض ) لأن وطء الزوج حصل بتسليط من جهته فصار فعله كفعله ( إن لم يطأها فليس بقبض ) والقياس أن يصير قابضا ; لأنه تعييب حكمي فيعتبر بالتعييب الحقيقي .

وجه الاستحسان أن في الحقيقي استيلاء على المحل وبه يصير قابضا ولا كذلك الحكمي فافترقا .


( قوله ومن اشترى جارية ولم يقبضها حتى زوجها فوطئها الزوج فالنكاح جائز ) ووطء الزوج قبض من المشتري خلافا للأئمة الثلاثة .

أما الأول فلوجود سبب ولاية الإنكاح على [ ص: 125 ] الأمة ( وهو ملك الرقبة على الكمال ) بخلاف ما لو ملكها لا على الكمال كما في ملك نصفها لا يملك التزويج به ، وإنما جاز إنكاحها قبل القبض ولم يجز بيعها قبله ; لأن البيع يفسد بالغرر دون النكاح ، وفي البيع قبل القبض احتمال الانفساخ بالهلاك قبل القبض ، والنكاح لا ينفسخ بهلاك المعقود عليه : أعني المرأة قبل القبض ، ولأن القدرة على التسليم شرط في البيع ، وذلك إنما يكون بعد القبض وليست بشرط لصحة النكاح ، ألا ترى أن بيع الآبق لا يصح وتزويج الآبقة يجوز .

وحاصل هذا أنه تعليل النهي عن البيع قبل القبض .

وإذا كان كذلك لم يكن الوارد في منع البيع قبل القبض واردا في النكاح قبل القبض ليثبت بدلالته . وأما الثاني فلأن وطء الزوج حصل بتسليط من المشتري فصار فعله كفعل المشتري ، ولو وطئها المشتري كان قابضا فكذلك الزوج ، ولو لم يطأها الزوج لا يكون المشتري قابضا استحسانا ، حتى لو هلكت بعد التزويج قبل الوطء هلكت من مال البائع . والقياس أن يصير قابضا بمجرد التزويج وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله ، حتى إذا هلكت بعد ذلك هلكت من مال المشتري ; لأن التزويج تعييب منه للمبيع ، وكذلك يثبت خيار الرد إذا اشترى جارية فوجدها ذات زوج ، والمشتري إذا عيب المبيع يصير قابضا له .

وجه الاستحسان أنه لم يتصل بها فعل حسي من المشتري والتزويج تعييب حكمي بمعنى تقليل الرغبات فيها فكان كنقصان السعر له وكالإقرار منه عليها بدين . والمشتري إذا أقر بدين على العبد المبيع لا يصير بذلك قابضا فكذا مجرد التزويج ، بخلاف الفعل الحسي كأن فقأ عينها مثلا أو قطع يدها فإنه إنما يصير به قابضا لما فيه من الاستيلاء على المحل .

واستشكل على هذا الإعتاق والتدبير فإنه يصير بهما قابضا وليس باستيلاء على المحل بفعل حسي .

والجواب إنما قلنا ذلك فيما يكون نفس الفعل قبضا ، والمعنى أن الفعل الذي يكون قبضا هو الفعل الحسي الذي يحصل الاستيلاء ، والقبض الحاصل بالعتق ضروري ليس مما نحن فيه ، وذلك أنه إنهاء للملك ومن ضرورة إنهاء الملك كونه قابضا والتدبير من واديه لأنه به يثبت حق الحرية للمدبر ويثبت الولاء . هذا وإذا صح النكاح قبل القبض فلو انتقض البيع بطل النكاح في قول أبي يوسف خلافا لمحمد .

قال الصدر الشهيد : والمختار قول أبي يوسف لأن البيع متى انتقض قبل القبض انتقض من الأصل فصار كأن لم يكن فكان النكاح باطلا ، وقيد القاضي الإمام أبو بكر بطلان النكاح ببطلان البيع قبل القبض بما إذا لم يكن بالموت ، حتى لو ماتت [ ص: 126 ] الجارية بعد النكاح قبل القبض لا يبطل النكاح وإن بطل البيع .

التالي السابق


الخدمات العلمية