صفحة جزء
[ ص: 258 ] وينبغي للمقلد أن يختار من هو الأقدر والأولى لقوله عليه الصلاة والسلام { من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين } .


( قوله وينبغي للمقلد ) وهو من له ولاية التقليد ( أن يختار من هو أقدر وأولى ) لديانته وعفته وقوته دون غيره ويرزقه من بيت المال . ولا بأس للقاضي أن يأخذ وإن كان غنيا مثريا وإن احتسب فهو أفضل . والأصل فيه لقوله تعالى في مال اليتيم إذا عمل فيه الوصي { ومن كان غنيا فليستعفف ، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } وذكر عن عمر رضي الله عنه أنه كان يرزق سليمان بن ربيعة الباهلي على القضاء كل شهر خمسمائة درهم لأنه فرغ نفسه للعمل للمسلمين ، فكانت كفايته وعياله عليهم . قالوا : وكان عمر رضي الله عنه يرزق شريحا كل شهر مائة درهم ورزقه علي خمسمائة وذلك لقلة عياله في زمن عمر رضي الله عنه ، أو رخص السعر وكثرة عياله في زمن علي رضي الله عنه أو غلاء السعر ، فرزق القاضي لا يقدر بشيء لأنه ليس بأجر لأنه لا يحل على القضاء .

وإنما يختار الأولى لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من استعمل رجلا على عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين } وقال : صحيح الإسناد . وتعقب بحسين بن قيس فإنه ضعيف ، وضعفه العقيلي وقال : إنما يعرف هذا من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وأخرجه الطبراني من غير طريق حسين هذا عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من تولى من أمر المسلمين شيئا فاستعمل عليهم رجلا وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين } وروى أبو يعلى الموصلي في مسنده عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أيما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس وعلم أن في العشرة من هو أفضل منه فقد غش الله ورسوله وجماعة المسلمين } والذي له ولاية التقليد الخليفة والسلطان الذي نصبه الخليفة [ ص: 259 ] وأطلق له التصرف ، وكذا الذي ولاه السلطان ناحية وجعل له خراجها وأطلق له التصرف فإن له أن يولي ويعزل ، كذا قالوا .

ولا بد من أن لا يصرح له بالمنع أو يعلم ذلك بعرفهم فإن نائب الشام وحلب في ديارنا يطلق لهم التصرف في الرعية والخراج ولا يولون القضاة ولا يعزلون ، ولو ولي فحكم المولى ثم جاء بكتاب للسلطان لا يكون ذلك إمضاء للقضاء ، والحرية شرط في السلطان وفي التقليد بالأصالة لا بطريق النيابة ، فإن السلطان إذا أمر عبده على ناحية وأمره أن ينصب القاضي جاز ، فإن نصبه كنصب السلطان بنفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية