صفحة جزء
[ ص: 289 - 290 ] قال ( ولا يقبل الكتاب إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ) لأن الكتاب يشبه الكتاب فلا يثبت إلا بحجة تامة وهذا لأنه ملزم فلا بد من الحجة ، بخلاف كتاب الاستئمان من أهل الحرب لأنه ليس بملزم ، وبخلاف رسول [ ص: 291 ] القاضي إلى المزكى ورسوله إلى القاضي لأن الإلزام بالشهادة لا بالتزكية


( قوله ولا يقبل الكتاب ) أي لا يقبل المكتوب إليه الكتاب ( إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ) على أنه كتاب القاضي فلان الكاتب وأنه ختمه وأن [ ص: 291 ] فيه كذا وكذا ، ولا بد من إسلامهما فلا تقبل شهادة الذميين على كتاب القاضي المسلمين ، ولو كان الكتاب لذمي على ذمي لأنهم يشهدون على فعل المسلم ، وهذا لأن قبول شهادة بعضهم على بعض كان للحاجة والضرورة إذ قلما يحضر المسلمون معاملاتهم خصوصا الأنكحة والوصايا ، وهذا لا يتحقق في كتاب القاضي وختمه ، ولم يشرط الشعبي الشهادة عليه ، وكذا الحسن أسند الخصاف إلى عمرو بن أبي زائدة أو عمير قال : جئت بكتاب من قاضي الكوفة إلى إياس بن معاوية فجئت وقد عزل واستقضي الحسن فدفعت كتابي إليه فقبله ولم يسألني البينة عليه ففتحه ثم نشره فوجد لي فيه شهادة شاهدين على رجل من أهل البصرة بخمسمائة ، فقال لرجل يقوم على رأسه اذهب بهذا الكتاب إلى زيادة فقل له أرسل إلى فلان فخذ منه خمسمائة درهم فادفعها إلى هذا وبه قال أبو ثور والإصطخري من الشافعية وأبو يوسف في رواية ، فالشرط عندهم أن يكون المكتوب إليه يعرف خط القاضي الكاتب وختمه قياسا على كتاب الاستئمان ، وعلى رسول القاضي إلى المزكي ورسول المزكي إلى القاضي .

قلنا : الفرق أن هذا نقل ملزم ، إذ يجب على القاضي المكتوب إليه أن ينظر فيه ويعمل به ، ولا بد للملزم من الحجة وهي البينة ، بخلاف كتاب أهل الحرب فإنه ليس ملزما إذ للإمام أن يعطيهم ما طلبوه ، وله أن لا . وأما الرسول فلأن التزكية ليست ملزمة ، وإنما الملزم هو البينة .

وأما الفرق بين رسول القاضي وبين كتابه حيث يقبل كتابه ولا يقبل رسوله فلأن غاية رسوله أن يكون كنفسه ، وقدمنا أنه لو ذكر ما في كتابه لذلك القاضي بنفسه لا يقبله ، وكان القياس في كتابه كذلك إلا أنه أجيز بإجماع التابعين على خلاف القياس فاقتصر عليه .

فإن قلت : فكيف عمل الحسن بالكتاب وهو لم يكتب إلا إلى قاض آخر غيره ؟ فالجواب يجوز أن يكون قال إلى إياس القاضي بالبصرة وإلى كل قاض يراه من قضاة المسلمين ، فإنه إذا كتب كذلك كان لكل قاض رفع إليه أن يعمل به بلا خلاف ، بخلاف ما لو كتب من الأول إلى من يبلغه كتابي هذا من قضاة المسلمين فإنه لا يجوز العمل به لأحد من القضاة ، وأجازه أبو يوسف أيضا قال في الخلاصة : وعليه عمل الناس اليوم . [ ص: 292 ]

[ فرع ]

يجوز على كتاب القاضي الشهادة على الشهادة كما جاز فيه شهادة النساء لأنه يثبت مع الشبهات . ولو كتب القاضي إلى الأمير الذي ولاه أصلح الله الأمير ثم قص القصة وهو معه في المصر فجاء به ثقة يعرفه الأمير ، ففي الفتاوى لا يقبل لأن إيجاب العمل بالبينة ، ولأنه لم يذكر اسمه واسم أبيه .

وفي الاستحسان : يجوز للأمير أن يمضيه لأنه متعارف ولا يليق بالقاضي أن يأتي في كل حادثة إلى الأمير ليخبره ، ولأنه لو أرسل إليه بذلك رسولا ثقة كان عبارة رسوله كعبارته في جواز العمل به ، فكذا إذا أرسل كتابه ولم يجر الرسم في مثله من مصر إلى مصر فشرطنا هناك شرط كتاب القاضي إلى القاضي .

التالي السابق


الخدمات العلمية