صفحة جزء
قال ( وإذا كانت الدار في يد رجل وأقام الآخر البينة أن أباه مات وتركها ميراثا بينه وبين أخيه فلان الغائب قضي له بالنصف وترك النصف الآخر في يد الذي هي في يده ولا يستوثق منه بكفيل ، وهذا عند أبي حنيفة . وقالا : إن كان الذي هي في يده جاحدا أخذ منه وجعل في يد أمين ، وإن لم يجحد ترك في يده )

لهما أن الجاحد خائن فلا يترك المال في يده ، بخلاف المقر لأنه أمين . وله أن القضاء وقع للميت مقصودا [ ص: 348 ] واحتمال كونه مختار الميت ثابت فلا تنقض يده كما إذا كان مقرا وجحوده قد ارتفع بقضاء القاضي ، والظاهر عدم الجحود في المستقبل لصيرورة الحادثة معلومة له وللقاضي ، ولو كانت الدعوى في منقول فقد قيل يؤخذ منه بالاتفاق لأنه يحتاج فيه إلى الحفظ والنزع أبلغ فيه ، [ ص: 349 ] بخلاف العقار لأنها محصنة بنفسها ولهذا يملك الوصي بيع المنقول على الكبير الغائب دون العقار ، وكذا حكم وصي الأم والأخ والعم على الصغير .

وقيل المنقول على الخلاف أيضا ، وقول أبي حنيفة رحمه الله فيه أظهر لحاجته إلى الحفظ ، وإنما لا يؤخذ الكفيل لأنه إنشاء خصومة والقاضي إنما نصب لقطعها لا لإنشائها ، وإذا حضر الغائب لا يحتاج إلى إعادة البينة ويسلم النصف إليه بذلك القضاء لأن أحد الورثة [ ص: 350 ] ينتصب خصما عن الباقين فيما يستحق له وعليه دينا كان أو عينا لأن المقضي له وعليه إنما هو الميت في الحقيقة وواحد من الورثة يصلح خليفة عنه في ذلك ، بخلاف الاستيفاء لنفسه لأنه عامل فيه لنفسه فلا يصلح نائبا عن غيره ، ولهذا لا يستوفي إلا نصيبه وصار كما إذا قامت البينة بدين الميت ، إلا أنه إنما يثبت استحقاق ، الكل على أحد الورثة إذا كان الكل في يده .

ذكره في الجامع لأنه لا يكون خصما بدون اليد فيقتصر القضاء على ما في يده .


( قوله وإذا كانت الدار في يد رجل وأقام الآخر البينة أن أباه مات وتركها ميراثا بينه وبين أخيه فلان الغائب قضي له بالنصف وترك النصف الآخر في يد الذي هي في يده ) إلى أن يحضر الغائب ( ولا يستوثق منه بكفيل ، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وقالا : إن كان الذي هي في يده ) قد ( جحد ) فأقيمت عليه البينة ( أخذ منه ) النصف ( فوضع على يد أمين ، وإن لم يكن جحد ترك في يده . لهما أن الجاحد خائن ) ظهرت خيانته بالجحد ( فلا يترك في يده ) لقرب أن يتصرف فيه إما لاعتقاده أنها ملكه وأن البينة كذبة أو للخيانة ( بخلاف ما لو أقر ) أنها مال الميت مودع عنده فإنه لم تظهر منه خيانة وقد رضيه الميت فكان أولى بحفظها ( ولأبي حنيفة أن القضاء ) إنما ( يقع أولا للميت مقصودا ) لأنه بعد ثبوت أنه ماله [ ص: 348 ] حينئذ تقضى ديونه ويقسم المال ( وكونه مختار الميت ثابت ) مع جحده ( فلا تنقض يده كالمقر وجحوده قد ارتفع بقضاء القاضي ) بها للميت ( والظاهر عدم جحوده بعد ذلك لصيرورة الحادثة معلومة له وللقاضي ) وموت القاضي وعزله قبل أن يصل الغائب ، وكذا احتراق المحضر والتلف نادر لا يوجب اختلاف الحكم لندرته ( فلو كانت الدعوى في منقول ) وأنكر والباقي بحاله ( فقد قيل يؤخذ منه ) النصف ( بالاتفاق لأنه محتاج إلى الحفظ [ ص: 349 ] والنزع أبلغ في الحفظ ) من تركه في يده إذ ربما يتصرف فيه متأولا كما ذكرنا أو خيانة ( بخلاف العقار لأنها محصنة بنفسها ولهذا ) أي ولأجل أن المنقول محتاج إلى الحفظ دون العقار .

والنزع أبلغ في حفظه من تركه ( يملك الوصي بيع المنقول على الكبير الغائب دون العقار وكذا حكم وصي الأم والأخ والعم على الصغير ) يملك بيع المنقول

مع أن هؤلاء ليس لهم ولاية في المال ( وقيل المنقول على الخلاف أيضا ) عنده يترك في يد الذي جحد وعندهما يؤخذ منه ( وإنما لا يؤخذ الكفيل ) على قول أبي حنيفة من الذي هي في يده ( لأنه إنشاء خصومة والقاضي إنما نصب لقطعها ) وهذا لأنه ربما لا يجد كفيلا أو لا يسمح بإعطائه والأخ الحاضر يطالبه به فتثور الخصومة ( ثم إذا حضر الغائب لا يحتاج إلى إعادة البينة ويسلم النصف إليه بذلك القضاء ) الكائن في غيبته ( لأن أحد الورثة [ ص: 350 ] ينتصب خصما عن بقية الورثة فيما لهم وعليهم دينا كان أو عينا ) فقد قامت على خصم حاضر بالنسبة إلى كل الورثة وهذا منهم .

وقوله ( لأن المقضي له وعليه إنما هو الميت في الحقيقة ) على ما ذكرنا من قريب ( وواحد من الورثة يصلح خليفة عنه في ذلك ، بخلاف الاستيفاء ) أي استيفاء نصيبه ( لأنه عامل فيه لنفسه ) لا للميت ( فلا يصلح نائبا عن غيره فلهذا لا يستوفي إلا نصيب نفسه وصار كما إذا قامت البينة بدين للميت ) فإنه يقضى بالكل ولا يأخذ إلا نصيب نفسه .

وقوله ( إلا أنه إنما يثبت استحقاق الكل على أحد الورثة ) استثناء من قوله لأن أحد الورثة ينتصب خصما عن الباقين فيما يستحق له وعليه ويكون قضاء على جميع الورثة ( إذا كانت ) التركة كلها ( في يده ) [ ص: 351 ] أي في يد الحاضر ، حتى لو كان البعض في يده ينفذ بقدره لأنه لا خصومة بدون اليد ، ذكره في الجامع الكبير .

قال في شهادات المواريث : ولو مات وترك دارا وثلاثة بنين وابنان غائبان والدار في يد الحاضر فادعى رجل الدار على الحاضر فقص عليه القصة وقال مات والدنا وأخواي فلان وفلان قبضا نصيبهما وأودعاني وغابا وقال المدعي كانت داري في يد أبيكم وأعلم أن الغائبين قبضا ثلثيها شائعا وأودعاها عندك وأنا أقيم البينة أنها داري تقبل وذو اليد خصم لأن أحد الورثة ينتصب خصما عن الميت فيما يدعى عليه ، فإن حضر الغائبان وصدقا في الإرث وجحدا حق المدعي فالقضاء ماض ، وإن كذباه وقالا لم نرثها من أبينا بل ثلثاها لنا لا بالإرث يقال للمدعي أعد بينتك عليهما في ثلثي الدار لأن ذلك على غير خصم لأن إقرار الحاضر يعمل في حقه لا في حق الغائبين .

قال العتابي : قال مشايخنا : هذا إذا لم تكن الدار مقسومة ، أما إذا اقتسموها وأودع اثنان نصيبهما الحاضر وغابا لا تقبل بينة المدعي في نصيبهما على الحاضر والتحق هذا بسائر أموالهما فلا يكون الحاضر خصما فيها ، بخلاف ما قبل القسمة لأنه مبقى على حكم ملك الميت على ما عرف .

ولو كان ثلثا الدار في يد رجل مقسوم أو غير مقسوم أودعه عنده الغائبان وهو مقر بأنه وديعة لهما ميراث من أبيهما لم يكن خصما للمدعي ، وكذلك الابن الحاضر لا يكون خصما في ذلك لأن الوارث إنما يكون خصما للمدعي على الميت فيما في يده لا فيما في يد غيره .

قال الأسروشني فالحاصل أن أحد الورثة ينتصب خصما عن الميت في عين هو في يده لا في عين ليس في يده ، حتى إن من ادعى عينا من التركة وأحضر وارثا ليس في يده ذلك العين لا تسمع دعواه ، وفي دعوى الدين ينتصب خصما عن الميت وإن لم يكن في يده شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية