صفحة جزء
[ ص: 397 ] ( باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل )

قال : ولا تقبل شهادة الأعمى . وقال زفر رحمه الله وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله : تقبل فيما يجري فيه التسامع لأن الحاجة فيه إلى السماع ولا خلل فيه .

وقال أبو يوسف والشافعي رحمهما الله : يجوز إذا كان بصيرا وقت التحمل لحصول العلم بالمعاينة ، والأداء يختص بالقول ولسانه غير موف والتعريف يحصل بالنسبة كما في الشهادة على الميت . [ ص: 398 ] ولنا أن الأداء يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له والمشهود عليه ، ولا يميز الأعمى إلا بالنغمة ، وفيه شبهة يمكن التحرز عنها بجنس الشهود والنسبة لتعريف الغائب دون الحاضر فصار كالحدود والقصاص .

ولو عمي بعد الأداء يمتنع القضاء عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ، لأن قيام أهلية الشهادة شرط وقت القضاء [ ص: 399 ] لصيرورتها حجة عنده وقد بطلت وصار كما إذا خرس أو جن أو فسق ، بخلاف ما إذا ماتوا أو غابوا ، لأن الأهلية بالموت قد انتهت وبالغيبة ما بطلت .


[ ص: 397 ] ( باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل )

لما ذكر تفصيل ما يسمع من الشهادة شرع في بيان من تسمع شهادته وأخره لأن المحال شروط والشرط غير مقصود لذاته . والأصل أن التهمة تبطل الشهادة لقوله صلى الله عليه وسلم { لا شهادة لمتهم } والتهمة تثبت مرة بعدم العدالة ومرة بعدم التمييز مع قيام العدالة ( قوله ولا تقبل شهادة الأعمى ) مطلقا سواء عمي قبل التحمل أو بعده فيما تجوز الشهادة فيه بالتسامع أو لا تجوز ( وقال زفر وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله : تقبل فيما يجوز فيه التسامع لأن الحاجة فيه للسماع ولا خلل في سمعه ) وهو قول الشافعي ومالك وأحمد والنخعي والحسن البصري وسعيد بن جبير والثوري .

وتقبل في الترجمة عند الكل لأن العلم يحصل بالسماع . وقال أبو يوسف : تجوز فيما طريقه السماع ، وما لا يكفي فيه السماع إذا كان بصيرا وقت التحمل ثم عمي عند الأداء إذا كان يعرفه باسمه ونسبه وهو قول الشافعي [ ص: 398 ] ومالك وأحمد لأنه إذا كان يعرفه باسمه ونسبه كفى كالشهادة على الميت ( ولنا أن الأداء يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له وعليه ) وهو منتف عن الأعمى إلا بالنغمة ( وفيه ) أي في التمييز بالنغمة ( شبهة يمكن التحرز عنها بجنس الشهود ) فلم تقع ضرورة إلى إهدار هذه التهمة ، بخلاف وطء الأعمى زوجته وأمته فإنه لا يمكن التحرز عنه بجنس [ ص: 399 ] النساء فأهدرت دفعا للحرج عنه والاكتفاء بالنسبة في تعريف الغائب دون الحاضر ، بخلاف الميت لأنه لا يمكن التحرز عنه بجنس المشهود ، على أن الإشارة لم تقع إلى وكيل الغائب ووصي الميت وهو قائم مقامه ، ولا حاجة إلى الإلحاق بالحدود من جهة أن شهادة الأعمى لا تقبل فيها بالإجماع بل ما تقدم يكفي إذ الرد بتهمة ما في الحدود لا يستلزم الرد بمثلها في غيرها لأن تلك يحتاط في درء الحكم فيها .

وأما الاستدلال بما ورد عن علي رضي الله عنه أنه رد شهادة الأعمى فيقول أبو يوسف هذه واقعة حال لا عموم لها فجاز كونه كان في حد ونفيه ، وقيد في الذخيرة قول أبي يوسف بما إذا كانت شهادته في الدين والعقار .

أما في المنقول فأجمع علماؤنا أنها لا تقبل . واستشكل بكتاب القاضي إلى القاضي ، فإن الشهود لا يشيرون إلى أحد وتقبل .

وأجيب بأن المشهود فيه يعرفون المشهود عليه ويقولون لو رأيناه عرفناه ، والأعمى لا يعرفه ، إذ لو رآه لم يعرفه حتى لو قالوا في كتاب القاضي لا نعرفه اليوم لم تقبل . وأيضا فنقول : كتاب القاضي إلى القاضي للضرورة والحاجة كما تقدم ولا ضرورة في شهادة الأعمى لما ذكرنا من إمكان الاستغناء عنه بجنس الشهود هذا .

قال : فلو أدى بصيرا ثم عمي قبل القضاء امتنع القضاء عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ، لأن قيام الأهلية شرط وقت القضاء لصيرورة الشهادة حجة عنده أي عند القضاء لأنها إنما تراد للقضاء فما يمنع الأداء يمنع القضاء ، والعمى والخرس والجنون والفسق يمنع الأداء فيمنع القضاء ، وأبو يوسف قاسه بما إذا غاب الشاهد بعد الأداء قبل القضاء أو مات . قلنا : بالموت انتهت الشهادة وتمت بالغيبة ما بطلت ، بخلاف العمى فإنه مبطل لها .

وفي المبسوط أنه لا تجوز شهادة الأخرس بإجماع الفقهاء لأن لفظة الشهادة لا تتحقق منه ، ونقض بأن الأصح من قول الشافعي رحمه الله تقبل إذا كانت فيه إشارة مفهومة ، وبقولنا قال مالك وأحمد وهو قول للشافعي ، ولا شك في تحقق التهمة في الإشارة فهو أولى بعدم القبول من الأعمى لأن في الأعمى إنما تتحقق التهمة في نسبته وهنا تتحقق في نسبته وغيره من قدر المشهود به وأمور أخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية