صفحة جزء
[ ص: 405 ] قال ( ولا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر ) وقال الشافعي رحمه الله : تقبل لأن الأملاك بينهما متميزة والأيدي متحيزة ولهذا يجري القصاص والحبس بالدين بينهما ، ولا معتبر بما فيه من النفع لثبوته ضمنا كما في الغريم إذا شهد لمديونه المفلس [ ص: 406 ] ولنا ما روينا ، ولأن الانتفاع متصل عادة وهو المقصود فيصير شاهدا لنفسه من وجه أو يصير متهما ، بخلاف شهادة الغريم لأنه لا ولاية على المشهود به .


( قوله ولا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر ) [ ص: 406 ] ولو كان المشهود له من الزوجة أو الزوج مملوكا . وقال الشافعي : تقبل ، وبقولنا قال مالك وأحمد . وقال ابن أبي ليلى والثوري والنخعي : لا تقبل شهادة الزوجة لزوجها لأن لها حقا في ماله لوجوب نفقتها ، وتقبل شهادة الزوج لها لعدم التهمة .

وجه الشافعي أن الأملاك بينهما متميزة والأيدي متحيزة : أي كل يد في حيز غير حيز الأخرى فهي ممنوعة عنه من حاز الشيء منعه فلا اختلاط فيها ولهذا يجري بينهما القصاص والحبس بالدين ، ولا معتبر بما بينهما من المنافع المشتركة لكل منهما بمال الآخر لأنه غير مقصود بالنكاح لأنه لم يقصد لأن ينتفع كل منهما بمال الآخر .

وإنما يثبت ذلك تبعا للمقصود عادة وصار كالغريم إذا شهد لمديونه المفلس بمال له على آخر تقبل مع توهم أنه يشاركه في منفعته . ولنا ما روينا من قوله صلى الله عليه وسلم " ولا المرأة لزوجها ، ولا الزوج لامرأته " وقد سمعت أنه من قول شريح ومرفوع من رواية الخصاف ، ولو لم يثبت فيه نص كفى المعنى فيه ، وإلحاقه بقرابة الولاد في ذلك الحكم بجامع شدة الاتصال في المنافع حتى يعد كل غنيا بمال الآخر .

ولذا قال تعالى { ووجدك عائلا فأغنى } قيل بمال خديجة رضي الله عنها ، بل ربما كان الاتصال بينهما في المنافع ، والانبساط فيها أكثر مما بين الآباء والأولاد ، بل قد يعادي أبويه لرضا زوجته وهي لرضاه ، ولأن الزوجية أصل الولاد لأن الولادة عنها تثبت فيلحق بالولاد فيما يرجع إلى معنى اتصال المنافع كما أعطى كسر بيض الصيد حكم قتل الصيد عندنا ، بخلاف القصاص لأن بعد الموت لا زوجية . وفي المحيط : لا نقبل شهادته لمعتدته من رجعي ولا بائن لقيام النكاح في بعض الأحكام .

ولو شهد أحدهما للآخر في حادثة فردت فارتفعت الزوجية فأعاد تلك الشهادة تقبل ، بخلاف ما لو ردت لفسق ثم تاب وصار عدلا وأعاد تلك الشهادة لا تقبل ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في الأصح ، لأن القاضي لما ردها صار مكذبا في تلك الشهادة شرعا فلا تقبل ، بخلاف شهادة العبد والكافر والصبي إذا ردت ثم أعتق وأسلم وبلغ وأعادها تقبل ، وبه قال الشافعي وأحمد . وقال مالك وهو رواية عن أحمد : لا تقبل كالرد للفسق . قلنا : رد شهادتهم لعدم الأهلية لا لتهمة الكذب وهي كافية في الرد ، فإذا صاروا أهلا تقبل . ولو قيل الرد في الفسق لا يستلزم الحكم بكذبه بل لمجرد تهمته به ، وبالإعادة في العدالة ترتفع تهمة كذبه في تلك الشهادة بعينها فيجب قبولها احتاج إلى الجواب ، فصار الحاصل : كل ما ردت شهادته لمعنى وزال ذلك المعنى [ ص: 407 ] لا تقبل إذا أعادها بعد زوال ذلك المعنى ، إلا العبد إذا شهد فرد والكافر والأعمى والصبي إذا شهد كل منهم فرد ثم أعتق وأسلم وأبصر وبلغ فشهدوا في تلك الحادثة بعينها تقبل ولا تقبل فيما سواهم ، وتقبل لأم امرأته وأبيها ولزوج بنته ولامرأة ابنه ولامرأة أبيه ولأخت امرأته .

التالي السابق


الخدمات العلمية