صفحة جزء
[ ص: 66 ] ( فصل في التوكيل بشراء نفس العبد ) [ ص: 67 ] قال ( وإذا قال العبد لرجل : اشتر لي نفسي من المولى بألف ودفعها إليه ، فإن قال الرجل للمولى : اشتريته لنفسه فباعه على هذا فهو حر والولاء للمولى ) ; لأن بيع نفس العبد منه إعتاق وشراء العبد نفسه قبول الإعتاق ببدل والمأمور سفير عنه إذ لا يرجع عليه الحقوق فصار كأنه اشترى بنفسه ، وإذا كان إعتاقا أعقب الولاء ( وإن لم يعين للمولى فهو عبد للمشتري ) [ ص: 68 ] لأن اللفظ حقيقة للمعاوضة وأمكن العمل بها إذا لم يعين فيحافظ عليها . بخلاف شراء العبد نفسه ; لأن المجاز فيه متعين ، وإذا كان معاوضة يثبت الملك له ( والألف للمولى ) ; لأنه كسب عبده ( وعلى المشتري ألف مثله ) ثمنا للعبد فإنه في ذمته حيث لم يصح الأداء ، بخلاف الوكيل بشراء العبد من غيره حيث لا يشترط بيانه ; لأن العقدين هناك على نمط واحد ، وفي الحالين المطالبة تتوجه نحو العاقد ، أما هاهنا فأحدهما إعتاق معقب للولاء ولا مطالبة على الوكيل والمولى عساه لا يرضاه ويرغب في المعارضة المحضة فلا بد من البيان


( فصل في التوكيل بشراء نفس العبد )

لما كان شراء العبد نفسه من مولاه إعتاقا على مال لم يكن من مسائل فصل التوكيل بالشراء لكنه شراء صورة فناسب أن يذكر في فصل على حدة ، كذا في العناية وكثير من الشروح . واستشكله بعض الفضلاء بأن الكلام لا يتناول إلا للمسألة الأولى إن أريد الشراء وكالة ، وإلا فللثانية لا غير فيحتاج إلى أن يكون تقدير الكلام في قوله لم يكن من مسائل لم يكن التوكيل به من مسائل إلخ انتهى .

أقول : ليس هذا بشيء ، إذ المراد بالشراء ما هو عام للشراء وكالة وللشراء أصالة فيتناول الكلام المسألتين معا . وأما الاحتياج إلى أن يكون تقدير الكلام في قوله لم يكن التوكيل به من مسائل فصل التوكيل بالشراء فأمر ضروري على كل حال ; لأن المحذور أن لا يكون التوكيل به من مسائل فصل التوكيل بالشراء لا أن يكون نفس شراء العبد نفسه من مسائل ذلك ، إذ نفس الشراء مطلقا ليس من مسائل التوكيل بالشراء قطعا . ثم أقول في استشكال ما في الشروح : التوجيه الذي ذكروه لا يتناول المسألة الثانية ، بل إنما يتمشى في المسألة الأولى ; لأن شراء العبد نفسه من مولاه إنما يصير إعتاقا على مال أن لو كان شراؤه نفسه من مولاه لنفسه . وأما إذا كان لغيره فلا .

والتوكيل في المسألة الثانية إنما هو بشراء العبد نفسه من مولاه للموكل ، فإن وافق العبد أمر الآمر فشراؤه ليس بإعتاق على مال لا صورة ولا معنى بل هو شراء محض ، وإن خالف أمره فيكون شراؤه إعتاقا على مال ، ولا ينافي كون التوكيل في هاتيك المسألة من مسائل فصل التوكيل بالشراء ، إذ المسألة لا تتغير عن وضعها بمخالفة المأمور ; لأمر الآمر كما في كثير من مسائل هذا الفصل وغيره . وأما التوكيل في المسألة الأولى فإنما هو بشراء رجل نفس العبد الموكل من مولاه لذلك العبد ، فإذا وافق وكيله أمره فاشترى نفسه من مولاه له يصير ذلك الشراء إعتاقا على مال معني ، وإن كان شراء صورة فجرى التوجيه المذكور في هذه المسألة دون الأخرى فكان قاصرا . قال في النهاية ومعراج الدراية : ثم إن الألف واللام في قول المصنف في التوكيل بشراء نفس العبد بدل الإضافة وتلك الإضافة إضافة المصدر إلى الفاعل والفاعل [ ص: 67 ] هو العبد بالنظر إلى المسألة الأولى : أي توكيل العبد الأجنبي بشراء نفسه ، والأجنبي بالنظر إلى المسألة الثانية : أي توكيل الأجنبي العبد بشراء نفسه انتهى . وقال في العناية : والتوكيل بشراء نفس العبد من مولاه على وجهين : أن يوكل العبد رجلا ليشتريه من مولاه وهو المسألة الأولى ، وأن يوكل العبد رجل ليشتري نفسه من مولاه . فالعبد في الأول موكل ، وفي الثاني وكيل . وكلام المصنف يتناولهما بجعل الألف واللام بدلا من المضاف إليه ، وجعل المصدر مضافا إلى الفاعل أو المفعول ، وذكر أحدهما متروك مثل أن يقول في توكيل العبد رجلا أو في توكيل العبد رجل انتهى .

أقول : تناول قول المصنف فصل في التوكيل بشراء نفس العبد للمسألتين على كلا التقديرين إنما يكون على سبيل البدل وفي ذلك تعسف لا يخفى ، فالأوجه أن يقدر كل واحد من المضاف إليه والمتروك أمرا عاما ، مثل أن يقال : فصل في توكيل أحد آخر بشراء نفس العبد ليتناول عنوان هذا الفصل كل واحدة من المسألتين المذكورتين فيه على سبيل الشمول لا على سبيل البدل ( قال ) أي محمد في الجامع الصغير ( وإذا قال العبد لرجل اشتر لي نفسي من المولى ) أي من مولاي ( بألف ودفعها ) أي دفع العبد الألف ( إليه ) أي إلى الرجل الذي وكله ( فإن قال الرجل ) أي الوكيل ( للمولى اشتريته أي العبد لنفسه ) أي لنفس العبد ( فباعه على هذا ) أي فباع المولى ذلك العبد على هذا الوجه ( فهو حر ) أي فذلك العبد حر يعني صار حرا ( والولاء للمولى ) أي وولاء ذلك العبد للمولى ( لأن بيع نفس العبد منه ) أي من العبد ( إعتاق ) أي إعتاق على مال ، والإعتاق على المال يتوقف على وجود القبول من المعتق ، وقد وجد ذلك كما أشار إليه بقوله .

( وشراء العبد نفسه قبول الإعتاق ببدل والمأمور سفير عنه ) أي عن العبد حيث أضاف العقد إليه ( إذ لا يرجع إليه الحقوق ) أي لا يرجع إلى المأمور حقوق العقد ; لأنه متى أضاف العقد إلى العبد فقد جعل نفسه رسولا ، ولا عهدة على الرسول ، وإذا كان كذلك ( فصار كأنه ) أي العبد ( اشترى ) نفسه ( بنفسه ) أي بلا واسطة ( وإذا كان إعتاقا ) أي وإذا كان بيع نفس العبد من العبد إعتاقا لذلك العبد ( أعقب الولاء ) أي أعقب الولاء للمعتق فثبت أن العبد في هذه الصورة صار حرا وكان ولاؤه للمولى ( وإن لم يعين للمولى ) أي وإن لم يقل الوكيل اشتريت العبد لنفس العبد ( فهو عبد للمشتري ) يعني صار ملكا له [ ص: 68 ] لأن اللفظ ) أي ; لأن قوله اشتريت عبدك بكذا ( حقيقة للمعاوضة ) أي موضوع للمعاوضة دون الإعتاق ( وأمكن العمل بها ) يعني أن الحقيقة يجب العمل بها مهما أمكن وقد أمكن العمل بها ( إذا لم يبين ) أي إذا لم يعين فلم يقل اشتريت عبدك لأجل نفسه ( فيحافظ عليها ) أي فيحافظ اللفظ على الحقيقة . فإن قيل : لا نسلم أن العمل بالحقيقة ممكن هنا ; لأنه توكيل بشراء شيء بعينه فليس للوكيل أن يشتريه لنفسه . قلنا : قد أتى الوكيل هاهنا بجنس تصرف آخر ; لأن ما وكل به كان من جنس الإعتاق على مال ، وما أتى به إنما هو من جنس الشراء المحض فكان مخالفا للآمر فينفذ عليه .

وستجيء الإشارة من المصنف إلى نظير هذا في المسألة الثانية ( بخلاف شراء العبد نفسه ) حيث يجعل للإعتاق لتعذر العمل بالحقيقة ( لأن المجاز ) وهو كون الشراء مستعارا للإعتاق ( فيه ) أي في شراء العبد نفسه ( متعين ) ; لأن العبد ليس بأهل أن يملك مالا فصار شراؤه نفسه مجازا عن الإعتاق ، أو لأن نفس العبد ليست بمال في حقه حتى يملك نفسه ثم يعتق ; لأنه آدمي في حق نفسه حتى وجب الحد والقصاص عليه بإقراره ، والمال غير الآدمي خلق لمصالح الآدمي فلم يمكن العمل بالمعاوضة فجعل مجازا عن الإعتاق والمجوز معنى إزالة الملك فإن البيع يزيل الملك بعوض إلى آخر ، والإعتاق يزيله لا إلى آخر ( وإذا كان معاوضة ) يعني إذا كان العقد معاوضة فيما إذا لم يعين للمولى ( يثبت الملك له ) أي للمشتري ( والألف للمولى ) أي والألف التي دفعها العبد إلى المشتري حين أن وكله تكون للمولى ( لأنه كسب عبده وعلى المشتري ألف مثله ) أي مثل ذلك الألف ( ثمنا للعبد ) قوله ثمنا نصب على التمييز : أي من جهة أنه ثمن للعبد ( فإنه ) أي الثمن ( في ذمة ) أي في ذمة المشتري ( حيث لم يصح الأداء ) لأن المشتري أدى تلك الألف إلى المولى من كسب عبده وكسبه ملك المولى فلا يقع ثمنا .

قال في النهاية : وهذا ظاهر فيما إذا وقع الشراء للمشتري ، وأما إذا وقع الشراء للعبد نفسه حتى عتق هل يجب على العبد ألف أخرى ؟ قال الإمام قاضي خان : وفيما إذا بين الوكيل للمولى أنه يشتريه للعبد هل يجب على العبد ألف أخرى ؟ لم يذكر في الكتاب . وينبغي أن تجب ; لأن الأول مال المولى فلا يصلح بدلا عن ملكه انتهى .

وقال في العناية بعد نقل ذلك عن النهاية : قلت وفي كلام المصنف ما يشير إليه فإنه جعل شراء نفسه قبوله الإعتاق ببدل ، فلو لم يجب عليه ألف أخرى كان إعتاقا بلا بدل انتهى فتأمل .

( بخلاف الوكيل بشراء العبد من غيره ) أي من غير العبد بأن يوكل أجنبي أجنبيا بشراء العبد من مولاه ( حيث لا يشترط بيانه ) أي بيان الشراء : يعني لا يشترط على الوكيل أن يقول وقت الشراء اشتريته لموكلي في وقوع الشراء للموكل ( لأن العقدين ) يعني الذي يقع له والذي يقع للموكل ( هناك ) أي في تلك الصورة ( على نمط واحد ) أي على نوع واحد وهو المبايعة ، والنمط النوع والطريقة أيضا ( وفي الحالين ) أي حال الإضافة إلى نفسه وحال الإضافة إلى موكله ( المطالبة تتوجه نحو العاقد ) فلا يحتاج إلى البيان ( وأما هاهنا ) أي فيما نحن فيه ( فأحدهما ) أي أحد العقدين ( إعتاق معقب للولاء ولا مطالبة على الوكيل ) أي لا مطالبة في الإعتاق على الوكيل ; لأنه سفير ( والمولى عساه ) أي لعله ( لا يرضاه ) أي لا يرضى الإعتاق ; لأنه يعقب الولاء وموجب الجناية عليه حينئذ فربما يتضرر به ( ويرغب في المعاوضة المحضة ) أي والمولى عساه يرغب في المعاوضة المحضة ( فلا بد من البيان ) اعلم أن قول المصنف ولا مطالبة على الوكيل على رواية كتاب الوكالة في باب الوكالة بالعتق ، فإن [ ص: 69 ] محمدا رحمه الله ذكر فيه أن العبد يعتق والمال على العبد دون الوكيل . وذكر في باب وكالة المأذون والمكاتب من كتاب الوكالة أن العبد يعتق والمال على الوكيل ، وهكذا في وكالة الجامع الكبير .

وجه رواية الجامع أن توكله بشراء العبد للعبد كتوكله بشرائه لغيره ، وهناك يصير هو المطالب بتسليم الثمن فكذا هاهنا . وعن عيسى بن أبان قال : الصحيح أن الثمن على العبد ; لأن الوكيل من جانب العبد في العتق سفير ومعبر ، فإنه لا يستغنى عن إضافة العقد إلى الآمر ، وليس إليه من قبض المعقود عليه شيء فلا تتوجه عليه المطالبة بتسليم البدل ، ألا يرى أن المولى لو كان هو الذي أمر الرجل ببيع نفس العبد من العبد بألف درهم إلى العطاء فباعه الوكيل بهذه الصفة يجوز البيع والألف عليه إلى ذلك الأجل ، والذي يلي قبض الألف هو المولى دون الوكيل فكذا هاهنا ، كذا ذكره الإمام المحبوبي

التالي السابق


الخدمات العلمية