صفحة جزء
[ ص: 137 ] ( باب عزل الوكيل )

قال ( وللموكل أن يعزل الوكيل عن الوكالة ) لأن الوكالة حقه فله أن يبطله ، إلا إذا تعلق به حق الغير بأن كان وكيلا بالخصومة يطلب من جهة الطالب لما فيه من إبطال حق الغير [ ص: 138 ] وصار كالوكالة التي تضمنها عقد الرهن .


[ ص: 137 ] باب عزل الوكيل )

أخر باب العزل ، إذ العزل يقتضي سبق الثبوت فناسب ذكره آخرا ( قال ) أي القدوري في مختصره ( وللموكل أن يعزل الوكيل عن الوكالة لأن الوكالة حقه ) أي حق الموكل ( فله أن يبطله ) أي فللموكل الذي هو صاحب الحق أن يبطل حقه ( إلا إذا تعلق به ) أي بالوكالة ذكر الضمير بتأويل كونها حقا ( حق الغير ) فحينئذ ليس له أن يعزله بلا رضا ذلك الغير ، وذلك ( بأن كان وكيلا بالخصومة بطلب من جهة الطالب ) أي بالتماس من جهة المدعي ( لما فيه ) أي لما في العزل في هذه الصورة ( من إبطال حق الغير ) وهو أن يحضره مجلس الحكم ويخاصمه ويثبت حقه عليه ، وإبطال حق الغير لا يجوز ، قيد بالطلب لأنه لو لم يكن وكيلا بالطلب يملك الموكل عزله ، سواء كان الخصم حاضرا أو غائبا ، وقيد بكون الطلب من جهة الطالب لأنه لو كان من جهة المطلوب : أي المدعى عليه ووكل الطالب فله عزله سواء كان المطلوب حاضرا أو غائبا . ثم إن عدم صحة العزل إذا كان [ ص: 138 ] بطلب من جهة الطالب فيما إذا كان العزل عند غيبة الطالب . وأما إذا كان عند حضوره فيصح العزل سواء رضي به الطالب أو لا ، وهذه القيود مستفادة من صريح ما ذكره في الذخيرة . فإنه قال فيها : وإذا عزل الوكيل حال غيبة الخصم فهو على وجهين : الأول أن يكون الوكيل وكيل الطالب . وفي هذا الوجه العزل صحيح وإن كان المطلوب غائبا لأن الطالب بالعزل يبطل حق نفسه ، لأن خصومة الوكيل حق الطالب وإبطال الإنسان حق نفسه صحيح من غير أن يتوقف على حضرة غيره .

والوجه الثاني أن يكون الوكيل وكيل المطلوب ، وأنه على وجهين أيضا : الأول أن يكون الوكيل من غير التماس أحد ، وفي هذا الوجه العزل صحيح وإن كان الطالب غائبا . والوجه الثاني إذا كان التوكيل بالتماس أحد إما الطالب وإما القاضي ، وفي هذا الوجه إن كان الوكيل غائبا وقت التوكيل ولم يعلم بالتوكيل صح عزله على كل حال ; لأن هذه الوكالة غير نافذة ; لأنه لا نفاذ لها قبل علم الوكيل فكان العزل رجوعا وامتناعا فيصح . وهذا على الرواية التي شرطت علم الوكيل لصيرورته وكيلا . وإن كان الوكيل حاضرا وقت التوكيل أو كان غائبا ولكن قد علم بالوكالة ولم يردها فإن كانت الوكالة بالتماس لا يصح عزله حال غيبة الطالب ويصح حال حضرته رضي به الطالب أو سخط ; لأن بالتوكيل ثبت نوع حق للطالب قبل الوكيل وهو حق أن يحضره مجلس الحكم فيخاصمه ويثبت حقه عليه . وبالعزل حال غيبة الطالب لو صح العزل يبطل هذا الحق أصلا ; لأنه لا يمكنه الخصومة مع الوكيل والمطلوب ربما يغيب قبل أن يحضر الطالب فلا يمكنه الخصومة معه أيضا فيبطل حقه أصلا .

وأما إذا كان الطالب حاضرا فحقه لا يبطل أصلا ; لأنه إن كان لا يمكنه الخصومة مع الوكيل يمكنه مع المطلوب ويمكنه أن يطالب من المطلوب أن ينصب وكيلا آخر إلى هنا لفظ الذخيرة ، قال صاحب العناية في شرح هذا المقام : واعلم أن الوكيل إن كان للطالب فعزله صحيح حضر المطلوب أو لا ; لأن الطالب بالعزل يبطل حقه وهو لا يتوقف على حضور غيره وهو المذكور أولا . وإن كان للمطلوب ، فإن لم يكن بطلب من جهة الطالب أو من يقوم مقامه مثل القاضي فكذلك ، وإن كان فأما إن علم الوكيل بالوكالة أو لا ، فإن لم يعلم فكذلك ; لأنه لا نفاذ للوكالة قبل علم الوكيل فكان العزل امتناعا ولهذا لم يذكره المصنف ، وإن علم ولم يردها لم يصح في غيبة الطالب ; لأن بالتوكيل ثبت له حق إحضاره في مجلس الحكم وإثبات الحق عليه ، وبالعزل حال غيبته يبطل ذلك وهو المذكور في الكتاب مستثنى ، وصح بحضرته ; لأن الحق لا يبطل ; لأنه إن كان لا يمكنه الخصومة مع الوكيل يمكنه الخصومة مع الموكل ويمكنه طلب نصب وكيل آخر منه ، ولم يذكرها المصنف ; لأن دليله يلوح إليه لأنه قال لما فيه من إبطال حق الغير وهاهنا لا إبطال كما ذكرناه ا هـ . كلامه .

واعترض بعض الفضلاء على قوله وهو المذكور أولا ، وأجاب حيث قال : فيه بحث ، فإن المذكور أولا يعمه ، وعزل الوكيل بالبيع والشراء مثلا لعموم كلام القدوري : وجوابه أن القصر إضافي : أي لا عزل وكيل المطلوب ا هـ .

أقول : جوابه ليس بتام فإن المذكور أولا وهو قوله وللموكل أن يعزل الوكيل عن الوكالة يعم عزل وكيل المطلوب أيضا سيما الذي لم يكن بطلب من جهة الطالب أو من يقوم مقامه فلا يتم التوجيه بحمل القصر على الإضافي بمعنى لا عزل وكيل المطلوب .

ثم أقول : الحق الصريح أن كلام القدوري الذي ذكره هاهنا أولا ، وهو قوله وللموكل أن يعزل الوكيل عن الوكالة يعم جميع الصور التي ذكرها صاحب العناية بطريق التقسيم والتفصيل ، وقد استثنى المصنف من ذلك صورة واحدة وهي عزل من كان وكيلا للمطلوب بطلب من جهة الطالب فبقي ما عداها من الصور تحت عموم المستثنى منه بلا ريب ، ويمشي في ذلك كله التعليل الذي ذكره المصنف بقوله لأن الوكالة حقه فله أن يبطله ، فما زعمه الشارح المذكور من كون المذكور أولا مقصورا على صورة عزل وكيل الطالب ، وكون بعض صور عزل الوكيل المطلوب غير مذكور في الكتاب أصلا سهو بين ( وصار ) أي صار التوكيل الذي كان بطلب من جهة الطالب ( كالوكالة التي تضمنها عقد الرهن ) أي كالوكالة المشروطة في عقد الرهن بأن وضع [ ص: 139 ] الرهن على يدي عدل ، وشرط في الرهن أن يكون العدل أو المرتهن مسلطا على بيع الرهن عند حلول الدين ، فإنه إذا أراد الراهن أن يعزل الوكيل عن الوكالة بالبيع ليس له ذلك ; لأن البيع صار حقا للمرتهن ، وبالعزل يبطل هذا الحق كما يأتي تفصيله في كتاب الرهن ، وكذا إذا تعلق حق الوكيل بعين من أعيان الموكل لا يملك إخراجه عن الوكالة نحو إن أمره أن يبيع ويستوفي الدين من ثمنه ، كذا في النهاية نقلا عن الذخيرة .

قيل : من أين وقع الفرق بين الوكيل في الخصومة بطلب من جهة الطالب وبين الوكيل الذي تثبت وكالته في ضمن عقد الرهن حيث يملك الموكل في الأول عزل الوكيل حال حضرة الخصم وإن لم يرض به الخصم ولا يملك في الثاني عزله حال حضرة المرتهن إذا لم يرض به المرتهن مع أنه في كل منهما تعلق حق الغير بوكالة الوكيل ، ومع وجود هذه المفارقة كيف شبه هذا بذاك ؟ وأجيب بأن الفرق بينهما من حيث إن العزل لو صح فيما نحن فيه حال حضرة الطالب لم يبطل حق الطالب أصلا لأنه يمكنه أن يخاصم المطلوب . وأما في مسألة الرهن ، فلو صح العزل حال حضرة المرتهن بطل حقه في البيع إذ لا يمكنه أن يطالب الراهن بالبيع . وأما وجه التشبيه فهو تعلق حق الغير بوكالة الوكيل وبطلان حق ذلك الغير عند صحة العزل في غيبته

التالي السابق


الخدمات العلمية