صفحة جزء
[ ص: 139 ] قال ( فإن لم يبلغه العزل فهو على وكالته وتصرفه جائز حتى يعلم ) لأن في العزل إضرارا به من حيث إبطال ولايته أو من حيث رجوع الحقوق إليه فينقد من مال الموكل ويسلم المبيع [ ص: 140 ] فيضمنه فيتضرر به ، ويستوي الوكيل بالنكاح وغيره للوجه الأول ، وقد ذكرنا اشتراط العدد أو العدالة في المخبر فلا نعيده


( قال ) أي القدوري في مختصره ( فإن لم يبلغه العزل ) أي فإن لم يبلغ الوكيل خبر عزل الموكل إياه ( فهو على وكالته وتصرفه جائز حتى يعلم ) أي حتى يعلم الوكيل عزله ، وهذا عندنا وبه قال الشافعي في قول ومالك في رواية وأحمد في رواية .

وقال الشافعي في الأصح : ينعزل ، وبه قال مالك في رواية وأحمد في رواية ; لأن نفوذ الوكالة لحق الموكل له فهو بالعزل يسقط حق نفسه ، والمرء ينفرد بإسقاط حق نفسه ; ألا يرى أنه يطلق زوجته ويعتق عبده بغير علم منهما ، ولأن الوكالة للموكل لا عليه ، فلو لم ينفرد الموكل قبل علم الوكيل به كان ذلك عليه من وجه ، وذلك لا يجوز . ولكنا نقول : العزل خطاب ملزم للوكيل بأن يمتنع من التصرف ، وحكم الخطاب لا يثبت في حق المخاطب ما لم يعلم به كخطاب الشرع ، فإن أهل قباء كانوا يصلون إلى بيت المقدس بعد الأمر بالتوجه إلى الكعبة ، وجوز لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لم يعلموا ، وكذلك كثير من الصحابة رضي الله عنهم شربوا الخمر بعد نزول تحريمها قبل علمهم بذلك ، وفيه نزل قوله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } وهذا لأن الخطاب مقصود للعمل ، ولا يتمكن من العمل ما لم يعلم به ، ثم إن الفقه فيما نحن فيه ما ذكرهالمصنف بقوله ( لأن في العزل ) أي في عزل الوكيل من غير علمه ( إضرارا به ) أي بالوكيل من وجهين : أحدهما أشار إليه بقوله ( من حيث إبطال ولايته ) فإن في إبطال ولايته تكذيبا له لأن الوكيل يتصرف لموكله على ادعاء أن له ولاية ذلك بالوكالة ، وفي عزله من غير علمه تكذيب له فيما ادعاه لبطلان ولايته بالعزل ، وتكذيب الإنسان فيما يقول ضرر عليه لا محالة .

والثاني ما أشار إليه بقوله ( أو من حيث رجوع الحقوق إليه ) أي إلى الوكيل فإنه يتصرف فيها بناء على رجوعها إليه ( فينقد من مال الموكل ) إن كان وكيلا بالشراء ( ويسلم المبيع ) إن كان وكيلا بالبيع ، فلو كان معزولا قبل العلم كان التصرف [ ص: 140 ] واقعا له ( فيضمنه ) أي فيضمن ما نقده وما سلمه ( فيتضرر به ) والضرر مدفوع شرعا . ثم إن الوجه الأول عام يشمل جميع التصرفات من النكاح والطلاق والبيع والشراء وغير ذلك .

وأما الوجه الثاني فمختص بالتصرفات التي ترجع فيها الحقوق إلى الوكيل دون الموكل كالبيع والشراء ونحوهما . وعن هذا قال المصنف ( ويستوي الوكيل بالنكاح وغيره للوجه الأول ) يعني أن الوكيل بالنكاح وغيره سيان في الحكم المذكور وهو عدم انعزال الوكيل قبل العلم بالعزل نظرا إلى الوجه الأول . وفي الذخيرة : وكذلك الوكيل إذا عزل نفسه لا يصح عزله من غير علم الموكل ولا يخرج عن الوكالة انتهى . وهكذا ذكر في سائر معتبرات الفتاوى . قال في المحيط البرهاني : وإذا جحد الموكل الوكالة وقال لم أوكله لم يكن ذلك عزلا ، هكذا ذكر في الأجناس في مسائل البيوع ، وفي مسائل الغصب من الأجناس أيضا : إذا قال اشهدوا أني لم أوكل فلانا فهذا كذب وهو وكيل لا ينعزل ، وبعض مشايخنا ذكروا في شروحهم أن جحود الموكل الوكالة عزل للوكيل .

وذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الشركة أن جحود ما عدا النكاح فسخ له انتهى . وهكذا ذكر في الذخيرة أيضا . قال المصنف ( وقد ذكرنا اشتراط العدد أو العدالة في المخبر ) أشار به إلى ما ذكره في فصل القضاء بالمواريث من كتاب أدب القاضي بقوله ولا يكون النهي عن الوكالة حتى يشهد عنده شاهدان أو رجل عدل إلخ ( فلا نعيده ) لعدم الاحتياج إلى الإعادة . اعلم أن الوكالة تثبت بخبر الواحد حرا كان أو عبدا عدلا كان أو فاسقا ، ورجلا كان أو امرأة ، صبيا كان أو بالغا ، وكذلك العزل عندهما ، وعند أبي حنيفة لا يثبت العزل إلا بخبر الواحد العدل أو بخبر الاثنين إذا لم يكونا عدلين . ثم إن هذا الاختلاف فيما إذا لم يكن الخبر على وجه الرسالة . وأما إذا كان على وجهها فيثبت به العزل بالاتفاق ، كائنا من كان الرسول ، عدلا كان أو غير عدل ، حرا كان أو عبدا ، صغيرا كان أو كبيرا ، نص عليه في البدائع .

وقال في تعليله : لأن الرسول قائم مقام المرسل وسفير عنه فتصح سفارته بعد أن صحت عبارته على أي صفة كان

التالي السابق


الخدمات العلمية