صفحة جزء
[ ص: 195 ] ( فصل في كيفية اليمين والاستحلاف )

قال ( واليمين بالله عز وجل دون غيره ) لقوله عليه الصلاة والسلام { من كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر } وقال عليه الصلاة والسلام { من حلف بغير الله فقد أشرك } ( وقد تؤكد بذكر أوصافه ) وهو التغليظ ، وذلك مثل قوله : قل والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ، ما لفلان هذا عليك ولا قبلك هذا المال الذي ادعاه وهو كذا وكذا ولا شيء منه . وله أن يزيد في التغليظ على هذا وله أن ينقص منه ، إلا أنه يحتاط فيه كي لا يتكرر عليه اليمين [ ص: 196 ] لأن المستحق يمين واحدة ، والقاضي بالخيار إن شاء غلظ وإن شاء لم يغلظ فيقول : قل بالله أو والله ، وقيل : لا يغلظ على المعروف بالصلاح ويغلظ على غيره ، وقيل : يغلظ في الخطير من المال دون الحقير .


[ ص: 195 ] فصل في كيفية اليمين والاستحلاف ) .

لما ذكر نفس اليمين أي في أي موضع يحلف ذكر في هذا الفصل صفتها لأن كيفية الشيء وهي ما يقع به المشابهة واللامشابهة صفته والصفة تقتضي سبق الموصوف ( قال ) أي القدوري في مختصره : ( واليمين بالله دون غيره لقوله عليه الصلاة والسلام { من كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر } ) أقول : هاهنا كلام وهو أنه قال في كتاب الأيمان : اليمين بالله أو باسم آخر من أسماء الله كالرحمن والرحيم أو بصفة من صفاته التي يحلف بها عرفا كعزة الله وجلاله وكبريائه ، وهذا صريح في أن اليمين كما تكون بالله تعالى تكون أيضا بصفاته التي يحلف بها في المتعارف ، والحصر المستفاد من قوله هاهنا واليمين بالله تعالى دون غيره يقتضي اختصاص اليمين بالله تعالى . وأيضا قال هناك : وإن قال : إن فعلت هذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر يكون يمينا ، والحصر المستفاد هاهنا ينافيه أيضا . ويمكن أن يجاب عن الأول بأنه قد اشتهر من مذهب أهل السنة أن صفات الله تعالى ليست عين الذات ولا غيرها ، فعلى هذا لا ينافي قوله دون غيره صحة اليمين بصفاته المذكورة ولا ينافيها أيضا اختصاص اليمين بالله تعالى بمعنى لا بغيره كما يفيده قوله دون غيره .

وعن الثاني بأن اليمين في الصورة المذكورة وإن لم تكن بالله تعالى في ظاهر الحال إلا أنها كانت به في المآل فتأمل . وفي المبسوط : إن الحر والمملوك والرجل والمرأة والفاسق والصالح والكافر والمسلم في اليمين سواء ، لأن المقصود هو القضاء بالنكول ، وهؤلاء في اعتقاد الحرمة في اليمين الكاذبة سواء ، كذا في النهاية ومعراج الدراية ( وقد تؤكد ) أي اليمين ( بذكر أوصافه ) أي بذكر أوصاف الله تعالى ، هذا لفظ القدوري في مختصره ، قال المصنف : ( وهو التغليظ ، وذلك مثل قوله قل : والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ) والخفاء ( ما يعلم من العلانية ما لفلان هذا عليك ولا قبلك هذا المال الذي ادعاه ، وهو كذا وكذا ولا شيء منه وله ) أي وللقاضي ( أن يزيد في التغليظ على هذا ) أي على المذكور ( وله أن ينقص منه ) أي من المذكور لأن المقصود من الاستحلاف النكول ، وأحوال الناس فيه مختلفة ; منهم من يمتنع إذا غلظ عليه اليمين ويتجاسر إذا حلف بالله فقط ، ثم منهم من يمتنع بأدنى تغليظ ، ومنهم من لا يمتنع إلا بزيادة تغليظ ، فللقاضي أن يراعي أحوال الناس .

والأصل فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه في { الذي حلف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : والله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الذي أنزل عليك الكتاب ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم } ( إلا أنه يحتاط كي لا يتكرر عليه اليمين ) والمراد بالاحتياط أن يذكر بغير واو ، إذ لو ذكر : [ ص: 196 ] والله والرحمن والرحيم بالواوات صارت ثلاثة أيمان ، وتكرار اليمين غير مشروع ، كذا في النهاية نقلا عن المبسوط ( لأن المستحق عليه يمين واحدة والقاضي بالخيار ، إن شاء غلظ ) فلا يزاد عليها ( وإن شاء ) القاضي ( لم يغلظ فيقول : قل بالله أو والله ) لما مر أن المقصود من اليمين النكول وأحوال الناس فيه شتى : فمنهم من يمتنع بدون التغليظ فلا يحتاج إليه فالرأي فيه إلى القاضي ( وقيل : لا يغلظ على المعروف بالصلاح ) إذ الظاهر منه أن يمتنع بدون التغليظ ( ويغلظ على غيره ) لكون أمره على خلاف الأول ( وقيل يغلظ في الخطير من المال دون الحقير ) لمثل ما قلنا في القيل الأول

التالي السابق


الخدمات العلمية