صفحة جزء
( ويبتدئ بيمين المشتري ) وهذا قول محمد وأبي يوسف آخرا ، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله ، وهو الصحيح لأن المشتري أشدهما إنكارا لأنه يطالب أولا بالثمن [ ص: 209 ] ولأنه يتعجل فائدة النكول وهو إلزام الثمن ، ولو بدئ بيمين البائع تتأخر المطالبة بتسليم المبيع إلى زمان استيفاء الثمن . وكان أبو يوسف رحمه الله يقول أولا : يبدأ بيمين البائع لقوله عليه الصلاة والسلام { إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قاله البائع } خصه بالذكر ، وأقل فائدته التقديم .

[ ص: 210 ] ( وإن كان بيع عين بعين أو ثمن بثمن بدأ القاضي بيمين أيهما شاء ) لاستوائهما


( قال ) أي القدوري في مختصره ( ويبتدئ ) أي القاضي ( بيمين المشتري ) قال المصنف ( وهذا قول محمد وأبي يوسف آخرا ورواية عن أبي حنيفة وهو الصحيح ) احترازا عن القول الأول لأبي يوسف كما سيجيء ( لأن المشتري أشدهما إنكارا لأنه يطالب أولا بالثمن ) فهو البادئ بالإنكار .

قال صاحب العناية : وهذا يدل على تقدم الإنكار دون شدته ، ولعله أراد بالشدة التقدم وهو أنسب بالمقام ، لأنه لما تقدم في الإنكار تقدم في الذي يترتب عليه انتهى . أقول : فيه نظر ، لأن الظاهر أن مدار ما ذكره المصنف على كون البادي أظلم لكونه منشأ للثاني أيضا فيكون أشد كما يكون أقدم ، ويجوز أيضا أن يكون مداره على أن المشتري لما كان مطالبا أولا بالثمن كان منكرا للشيئين أصل [ ص: 209 ] الوجوب ووجوب الأداء في الحال فكان أشد إنكارا ، وعند هذين المحملين الصحيحين لإجراء الكلام على الحقيقة كيف يجوز حمل الأشد على الأقدم تجوزا مع عدم ظهور العلاقة بينهما ( ولأنه يتعجل فائدة النكول ) أي بالابتداء بيمين المشتري ( وهو ) أي فائدة النكول إلزام الثمن ذكر الضمير الراجع إلى الفائدة ، وإما باعتبار الخبر وهو ( إلزام الثمن ) أو بتأويل الفائدة بالنفع ( ولو بدئ بيمين البائع تتأخر المطالبة بتسليم المبيع إلى زمان استيفاء الثمن ) لأن تسليم المبيع يؤخر إلى زمان استيفاء الثمن لأنه يقال له : امسك المبيع إلى أن تستوفي الثمن فكان تقديم ما تتعجل فائدته أولى ، كذا في الكافي ( وكان أبو يوسف يقول أولا : يبدأ بيمين البائع ) وذكر في المنتقى وفي جامع أبي الحسن أنه رواية عن أبي حنيفة وهو قول زفر ، كذا في العناية وغيرها ( لقوله عليه الصلاة والسلام { إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قاله البائع } ) وجه الاستدلال أنه عليه الصلاة والسلام ( خصه بالذكر ) أي خص البائع بالذكر حيث قال : فالقول ما قاله البائع ( وأقل فائدته ) أي فائدة التخصيص ( التقديم ) يعني أنه عليه الصلاة والسلام جعل القول قول البائع ، وهذا بظاهره يقتضي الاكتفاء بيمينه ، فإذا كان لا يكتفى بيمينه فلا أقل من أن يبدأ بيمينه .

وفي غاية البيان قال في شرح الأقطع جوابا عن هذا الحديث : إنما خص البائع بالذكر لأن يمين المشتري معلومة لا تشكل لقوله عليه الصلاة والسلام { واليمين على من أنكر } فسكت صلى الله عليه وسلم عما تقدم بيانه وبين ما يشكل ولم يتقدم بيانه انتهى .

أقول : فيه نظر لأن قوله عليه الصلاة والسلام { واليمين على من أنكر } كما أنه دليل في حق المشتري دليل أيضا في حق البائع ، فإنه قد مر أن كل واحد منهما ينكر في كل واحدة من الصور الثلاث المذكورة فيما إذا اختلفا قبل القبض وفيما إذا اختلفا بعد القبض . ففي صورة الاختلاف في الثمن بعد قبض المبيع المنكر هو المشتري ، وفي صورة الاختلاف في المبيع بعد قبض الثمن المنكر هو البائع ، فاستوى كل واحد من البائع والمشتري في الاندراج تحت قوله عليه الصلاة والسلام { واليمين على من أنكر } في أكثر الصور وعدم الاندراج تحته في بعض الصور ، فلا فرق بينهما في إشكال اليمين وعدم إشكالها ، وتقدم البيان وعدم تقدمه فلم يتم الجواب المذكور .

ثم إن هذا الذي ذكر من لزوم الابتداء بيمين المشتري على القول الصحيح ، أو بيمين البائع على القول [ ص: 210 ] الآخر إذا كان البيع بيع عين بثمن ( وإن كان بيع عين بعين ) وهو المسمى بالمقايضة ( أو ثمن بثمن ) أي بيع ثمن بثمن وهو المسمى بالصرف ( بدأ القاضي بيمين أيهما شاء ) من البائع والمشتري ( لاستوائهما ) أي في الإنكار وفي فائدة النكول .

التالي السابق


الخدمات العلمية