صفحة جزء
قال ( وإن هلك أحد [ ص: 218 ] العبدين ثم اختلفا في الثمن لم يتحالفا عند أبي حنيفة إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك من الثمن . وفي الجامع الصغير : القول قول المشتري مع يمينه عند أبي حنيفة إلا أن يشاء البائع أن يأخذ العبد الحي ولا شيء له . وقال أبو يوسف : يتحالفان في الحي ويفسخ العقد في الحي ، والقول قول المشتري [ ص: 219 ] في قيمة الهالك . وقال محمد : يتحالفان عليهما ويرد الحي وقيمة الهالك ) لأن هلاك كل السلعة لا يمنع التحالف عنده فهلاك البعض أولى . ولأبي يوسف أن امتناع التحالف للهلاك فيتقدر بقدره .

ولأبي حنيفة أن التحالف على خلاف القياس في حال قيام السلعة وهي اسم لجميع أجزائها فلا تبقى السلعة بفوات بعضها ، ولأنه لا يمكن التحالف في القائم إلا على اعتبار حصته من الثمن فلا بد من القسمة وهي تعرف بالحذر والظن فيؤدي إلى التحالف مع الجهل وذلك لا يجوز [ ص: 220 ] إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك أصلا لأنه حينئذ يكون الثمن كله بمقابل القائم ويخرج الهالك عن العقد فيتحالفان . هذا تخريج بعض المشايخ ويصرف الاستثناء عندهم إلى التحالف كما ذكرنا وقالوا : إن المراد من قوله في الجامع الصغير يأخذ الحي ولا شيء له ، معناه : لا يأخذ من ثمن الهالك شيئا أصلا . وقال بعض المشايخ : يأخذ من ثمن الهالك بقدر ما أقر به المشتري ، وإنما لا يأخذ الزيادة .

وعلى قول هؤلاء ينصرف الاستثناء إلى يمين المشتري لا إلى التحالف ، لأنه لما أخذ البائع بقول المشتري فقد صدقه فلا يحلف المشتري ، [ ص: 221 ] ثم تفسير التحالف على قول محمد ما بيناه في القائم . وإذا حلفا ولم يتفقا على شيء فادعى أحدهما الفسخ أو كلاهما يفسخ العقد بينهما ويأمر القاضي المشتري برد الباقي وقيمة الهالك .

واختلفوا في تفسيره على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ، والصحيح أنه يحلف المشتري بالله ما اشتريتهما بما يدعيه البائع ، [ ص: 222 ] فإن نكل لزمه دعوى البائع ، وإن حلف يحلف البائع بالله ما بعتهما بالثمن الذي يدعيه المشتري ، فإن نكل لزمه دعوى المشتري ، وإن حلف يفسخان العقد في القائم وتسقط حصته من الثمن ويلزم المشتري حصة الهالك ويعتبر قيمتهما في الانقسام يوم القبض ( وإن اختلفا في قيمة الهالك يوم القبض فالقول قول البائع ، [ ص: 223 - 224 ] وأيهما أقام البينة تقبل بينته . وإن أقاماها فبينة البائع أولى )

وهو قياس ما ذكر في بيوع الأصل ( اشترى عبدين وقبضهما ثم رد أحدهما بالعيب وهلك الآخر عنده يجب عليه ثمن ما هلك عنده ويسقط عنه ثمن ما رده وينقسم الثمن على قيمتهما . فإن اختلفا في قيمة الهالك فالقول قول البائع ) لأن الثمن قد وجب باتفاقهما ثم المشتري يدعي زيادة السقوط بنقصان قيمة الهالك والبائع ينكره والقول للمنكر ( وإن أقاما البينة فبينة البائع أولى ) لأنها أكثر إثباتا ظاهرا لإثباتها الزيادة في قيمة الهالك وهذا لفقه . وهو أن في الأيمان تعتبر الحقيقة لأنها تتوجه على أحد العاقدين وهما يعرفان حقيقة الحال فبني الأمر عليها والبائع منكر حقيقة فلذا كان القول قوله ، [ ص: 225 ] وفي البينات يعتبر الظاهر لأن الشاهدين لا يعلمان حقيقة الحال فاعتبر الظاهر في حقهما والبائع مدع ظاهرا فلهذا تقبل بينته أيضا وتترجح بالزيادة الظاهرة على ما مر ، وهذا يبين لك معنى ما ذكرناه من قول أبي يوسف . .


( قال ) أي القدوري في مختصره ( وإن هلك أحد [ ص: 218 ] العبدين ) أي بعد قبضهما : كذا في الشروح ( ثم اختلفا في الثمن لم يتحالفا عند أبي حنيفة إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك ) يعني إذا باع الرجل عبدين صفقة واحدة وقبضهما المشتري فهلك أحدهما ثم اختلفا في الثمن فقال البائع : بعتهما منك بألفي درهم وقال المشتري : اشتريتهما منك بألف درهم لم يتحالفا عند أبي حنيفة إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك ( وفي الجامع الصغير : القول قول المشتري ) أي فيهما ، كذا في كثير من الشروح ( مع يمينه عند أبي حنيفة إلا أن يشاء البائع أن يأخذ العبد الحي ولا شيء له من قيمة الهالك ) وإنما أعاد ذكر لفظ الجامع الصغير ، لأن لفظه يقتضي أن يكون المستثنى منه يمين المشتري ولفظ القدوري الذي هو لفظ المبسوط يقتضي أن يكون المستثنى منه عدم التحالف ، لأن المذكور قبل الاستثناء هناك قوله لم يتحالفا ( وقال أبو يوسف : يتحالفان في الحي ويفسخ العقد في الحي ) قال صاحب العناية : وقوله في تحرير المذاهب يتحالفان في الحي ليس بالصحيح على ما سيأتي انتهى .

أقول : يعني أن قوله هاهنا يتحالفان في الحي ليس بملابس بالتفسير الصحيح للتحالف على قول أبي يوسف على ما سيأتي ، وهو أن يتحالفا على القائم والهالك معا لا أن يتحالفا على القائم فقط كما قاله بعضهم ، ولكن فيه نظر ، إذ يمكن تطبيق قوله هذا على ما سيأتي من التفسير الصحيح ، فإن لم يقل هاهنا يتحالفان على الحي حتى تكون كلمة على صلة التحالف فيئول المعنى إلى التفسير الغير صحيح ، بل قال : يتحالفان في الحي فيجوز أن تكون كلمة في بمعنى اللام ويصير المعنى يتحالفان لأجل الحي كما في قوله تعالى { فذلكن الذي لمتنني فيه } وكما في الحديث { إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها } على ما نص عليه في مغني اللبيب .

ولا يخفى أن يكون تحالفهما لأجل الحي : أي كون المقصود من تحالفهما فسخ العقد في الحي لا ينافي أن يتحالفا على الحي والميت معا كما هو الصحيح ليفيد التحالف على ما سيأتي بيانه ( والقول قول المشتري [ ص: 219 ] في قيمة الهالك ) هذا من تتمة قول أبي يوسف .

أقول : في عبارة الكتاب هاهنا قصور ، لأن قول المشتري إنما يعتبر في حصة الهالك من الثمن الذي أقر به المشتري كما سيجيء تفصيله ، لا في قيمة الهالك فإن القول فيها للبائع كما صرح به المصنف فيما سيأتي حيث قال : فإن اختلفا في قيمة الهالك يوم القبض فالقول للبائع انتهى . وعن هذا قال صاحب الكافي : وقال أبو يوسف يتحالفان في الحي ويفسد العقد في الحي والقول للمشتري في حصة الهالك من الثمن مع يمينه انتهى ( وقال محمد : يتحالفان عليهما ) أي على الحي والهالك ( ويرد لحي وقيمة الهالك ، لأن هلاك كل السلعة لا يمنع التحالف عنده فهلاك البعض أولى ) قال صاحب العناية : والجواب أن هلاك البعض محوج إلى معرفة القيمة بالحزر وذلك مجهل في المقسم عليه فلا يجوز انتهى .

ورد عليه بأن المقسم عليه عند محمد ليس القيمة حتى يلزم ذلك عليه ( ولأبي يوسف أن امتناع التحالف للهلاك ) أي لأجل الهالك ( فيتقدر بقدره ) أي يتقدر امتناع التحالف بقدر الهالك لأن الحكم لا يزيد على العلة ( ولأبي حنيفة أن التحالف على خلاف القياس في حال قيام السلعة ) يعني أن التحالف بعد القبض ثبت بالنص على خلاف القياس في حال قيام السلعة ( وهي ) أي السلعة ( اسم لجميع أجزائها فلا تبقى السلعة بفوات بعضها ) لانعدام الكل بانعدام جزئه ، وما يثبت على خلاف القياس لا يتعدى إلى الغير ، فحصل من هذا الدليل نفي القياس .

والجواب عن قول محمد رحمه الله كما لا يخفى ( ولأنه لا يمكن التحالف في القائم إلا على اعتبار حصته من الثمن فلا بد من القسمة ) أي باعتبار القيمة كما سيأتي ( وهي ) أي القسمة ( تعرف بالحرز والظن فيؤدي إلى التحالف مع الجهل وذلك لا يجوز ) فلا يلحق بالتحالف حال قيام السلعة بتمامها ، فحصل من هذا الدليل نفي الدلالة . والجواب عن قول أبي يوسف كما ترى . فإن قلت : ما الفرق لأبي حنيفة بين هذه المسألة وبين مسألة الإجارة فيما إذا أقام القصار بعض العمل في الثوب ثم اختلفا في مقدار الأجرة ، ففي حصة ما أقام العمل القول لرب الثوب مع يمينه ، وفي حصة ما بقي يتحالفان بالإجماع اعتبارا للبعض بالكل واستيفاء بعض المنفعة بمنزلة هلاك بعض المبيع ، وفيه التحالف عند أبي حنيفة أيضا دون هلاك بعض المبيع .

قلت : الفرق بينهما من حيث إن عقد البيع في العبدين عقد واحد ، فإذا تعذر فسخه في البعض في الهلاك تعذر في الباقي . [ ص: 220 ] وأما عقد الإجارة ففي حكم عقود متفرقة تتجدد بحسب ما يقيم من العمل فبتعذر فسخه في البعض لا يتعذر فسخه في الباقي ، كذا في الشروح ونقله صاحب النهاية عن إجارات المبسوط . أقول : لقائل أن يقول : هذا الفرق إنما يتمشى بالنظر إلى الدليل الأول وأما بالنظر إلى الدليل الثاني فلا ، لأن عقد الإجارة وإن كان في حكم عقود متفرقة إلا أنه في الصورة المذكورة كان بصفقة واحدة لم يعين فيها لكل جزء من المعقود عليه أجرة معلومة فلا بد من القسمة وهي بالحرز والظن فيؤدي إلى التحالف مع الجهل بعين ما قيل في عقد البيع فينبغي أن لا يجوز أيضا ( إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك أصلا ) أي بالكلية ( لأنه حينئذ ) أي حين أن يرضى البائع بترك حصة الهالك بالكلية ( ويكون الثمن كله بمقابلة القائم ويخرج الهالك عن العقد فيتحالفان ) أي إذا كان الأمر كذلك فيتحالفان ( وهذا ) أي توجيه قوله إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك بما ذكر ( تخريج بعض المشايخ ) أي عامتهم ( ويصرف الاستثناء عندهم إلى التحالف ) لأنه هو المذكور في الكلام ، فكان تقدير الكلام : لم يتحالفا عند أبي حنيفة إلا إذا ترك البائع حصة الهالك فيتحالفان ( كما ذكرناه ) أراد به قوله فيتحالفان ( وقالوا ) أي قال هؤلاء المشايخ : ( إن المراد من قوله في الجامع الصغير يأخذ الحي ولا شيء له معناه : لا يأخذ من ثمن الهالك شيئا أصلا ) أقول : كان الظاهر في التحرير من حيث العربية ، والمعنى أن يترك اللفظ معناه من البين .

أو أن يقال : إن قوله في الجامع الصغير يأخذ الحي ولا شيء له ، معناه : لا يأخذ من ثمن الهالك شيئا أصلا ، ووجه الظهور ظاهر ( وقال بعض المشايخ : يأخذ من ثمن الهالك بقدر ما أقر به المشتري ، وإنما لا يأخذ الزيادة ، وعلى قول هؤلاء ينصرف الاستثناء إلى يمين المشتري لا إلى التحالف ) فيصير معنى الكلام لم يتحالفا عند أبي حنيفة والقول قول المشتري مع يمينه ، إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي ولا يأخذ من ثمن الهالك شيئا زائدا على ما أقر به المشتري فحينئذ لا يمين على المشتري ( لأنه لما أخذ البائع بقول المشتري فقد صدقه فلا يحلف المشتري ) قال صاحب العناية : وكلام المصنف يشير إلى أن أخذ الحي لم يكن بطريق الصلح كما نقله صاحب النهاية عن الفوائد الظهيرية بل بطريق تصديق المشتري في قوله وترك ما يدعيه عليه ، وهو أولى لما قال شيخ الإسلام : إنه لو كان بطريق الصلح لكان معلقا بمشيئتهما انتهى .

وقال بعض الفضلاء فيه : إن أخذ الحي يكون معلقا بمشيئتهما ألبتة ، وإنما الذي لا يتعلق بمشيئة المشتري أخذ ما أقر به من ثمن الهالك انتهى . أقول : هذا ليس بشيء لأنه إن أراد بقوله إن أخذ الحي يكون معلقا بمشيئتهما ألبتة أنه كان في الكتاب معلقا بمشيئتهما ألبتة فليس بصحيح ، لأن المذكور في الكتاب إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي ولا شيء له ، ولم يعلق فيه أخذ الحي إلا بمشيئة البائع ، وإن أراد به أن يكون في الصلح معلقا بمشيئتهما ألبتة فليس بمفيد له أصلا بل هو مؤيد لما قاله شيخ الإسلام ، [ ص: 221 ] فإن مراده أن أخذ الحي لو كان بطريق الصلح لكان معلقا في الكتاب بمشيئتهما كما يكون في الصلح متعلقا بمشيئتهما ألبتة ولم يتعلق فيه إلا بمشيئة البائع ( ثم تفسير التحالف على قول محمد ما بيناه في القائم ) أي في البيع القائم على حاله وهو قوله وصفة اليمين أن يحلف البائع بالله ما باعه بألف إلخ ، وإنما لم تختلف صفة التحالف عنده في الصورتين لأن قيام السلعة عنده ليس بشرط للتحالف ( وإذا حلفا ولم يتفقا على شيء ) كان الأحسن في التحرير أن يقول : وإذا لم يتفقا على شيء وحلفا بتقديم لم يتفقا على شيء على حلفا في الوضع لتقدمه عليه في الطبع ( فادعى أحدهما الفسخ أو كلاهما ) أي أو ادعى كلاهما ( يفسخ العقد بينهما ويأمر القاضي المشتري برد الباقي وقيمة الهالك ) والقول في القيمة قول المشتري لأن البائع يدعي عليه زيادة قيمة وهو ينكره فيكون القول قوله ، كما لو اختلفا في قيمة المغصوب أو المقبوض بعقد فاسد ، كذا في الشروح ( واختلفوا في تفسيره ) أي في تفسير التحالف ( على قول أبي يوسف ) قال في النهاية ومعراج الدراية : لم يذكر تفسير التحالف على قول أبي حنيفة لأن عنده هلاك البعض يمنع التحالف كهلاك الكل .

أقول : فيه شيء ، وهو أن هلاك البعض لا يمنع التحالف عنده مطلقا بل إن رضي البائع أن يترك حصة الهالك أصلا يتحالفان عنده أيضا على تخريج عامة المشايخ ، وقد ارتضى المصنف هذا التخريج حيث بنى عليه شرح معنى الكتاب أولا كما مر آنفا ، فكان لذكر تفسير التحالف عند أبي حنيفة أيضا مساغ .

وعن هذا أن الإمام الزيلعي بعد أن ذكر في التبيين تفسير التحالف على قول محمد وعلى قول أبي يوسف قال : وعند أبي حنيفة أن البائع إذا رضي أن يترك حصة الهالك من الثمن يتحالفان عند بعضهم على الوجه الذي ذكرناه لأبي يوسف انتهى . وقال في غاية البيان : لما كان قول أبي حنيفة عدم وجوب التحالف استغنى عن التفسير ففسره على قولهما انتهى . أقول : هذا أقرب إلى الحق مما سبق ، ولكن فيه أيضا شيء لا يخفى . فالأولى أن يقال : لما كان جريان التحالف عند هلاك بعض المبيع في قول أبي حنيفة مخصوصا بتخريب بعض المشايخ وبصورة نادرة هي صورة الاستثناء لم يذكر تفسير التحالف عنده على سبيل الاستقلال ، بل اكتفى بما يفهم من بيان تفسيره على قول أبي يوسف ( والصحيح أنه يحلف المشتري بالله ما اشتريتهما بما يدعيه البائع ) ومنهم من قال : يتحالفان على القائم بحصته من الثمن دون الهالك لأن التحالف للفسخ والعقد ينفسخ في القائم لا في الهالك ، وهذا ليس بصحيح لأن المشتري لو حلف بالله ما اشتريت القائم بحصته من الثمن الذي يدعيه البائع كان صادقا ، وكذا لو حلف البائع [ ص: 222 ] بالله ما بعت القائم بحصته من الثمن الذي يدعيه المشتري صدق فلا يفيد التحالف ، فالصحيح أن يحلف المشتري على الوجه المذكور في الكتاب ( فإن نكل لزمه دعوى البائع ، وإن حلف يحلف البائع بالله ما بعتهما بالثمن الذي يدعيه المشتري ، فإن نكل لزمه دعوى المشتري ، وإن حلف يفسخان العقد في القائم ) فإن قلت : أسند فسخ العقد هاهنا إليهما كما ترى وفيما سبق إلى القاضي حيث قال : وإن حلفا فسخ القاضي البيع بينهما فما التوفيق ؟ قلت : معنى ما سبق فسخ القاضي بينهما إن لم يفسخا بأنفسهما ، يرشد إليه أن الشراح قالوا في شرح ذلك المقام فسخ القاضي العقد بينهما إن طلبا أو طلب أحدهما ، لأن الفسخ حقهما فلا بد من الطلب انتهى .

إذ لا يخفى أن الفسخ إذا كان حقهما فهما يقدران على إحداثه بأنفسهما . ومعنى ما ذكر هاهنا يفسخان العقد إن أرادا الفسخ بأنفسهما على نهج قوله عليه الصلاة والسلام { تحالفا وترادا } وهذا لا ينافي أن يفسخه القاضي أيضا فيما إذا لم يفسخاه بأنفسهما بل طلباه أو طلبه أحدهما من القاضي ، وسيأتي التصريح من الشراح في مسألة التحالف بالإقالة بتساوي فسخ القاضي وفسخهما بأنفسهما ( وتسقط حصته ) أي حصة القائم ( من الثمن ويلزم المشتري حصة الهالك ) من الثمن الذي أقر به المشتري ، ولا يلزمه قيمة الهالك لأن القيمة تجب إذا انفسخ العقد والعقد في الهالك لم ينفسخ عنده ، كذا في العناية ( وتعتبر قيمتهما في الانقسام يوم القبض ) يعني يقسم الثمن الذي أقر به المشتري على العبد القائم والهالك على قدر قيمهما يوم القبض ، فإن اتفقا على أن قيمتهما يوم القبض كانت على السواء يجب على المشتري نصف الثمن الذي أقر به المشتري ويسقط عنه نصف ذلك الثمن ، وإن تصادقا أن قيمتهما يوم القبض كانت على التفاوت ، فإن تصادقا على أن قيمة الهالك يوم القبض كانت كذا يجب على المشتري بقدرها حصة من الثمن الذي أقر به ويسقط عنه الباقي من ذلك الثمن ( وإن اختلفا في قيمة الهالك يوم القبض ) فقال المشتري كانت قيمة القائم يوم القبض ألفا وقيمة الهالك خمسمائة وقال البائع على العكس ( فالقول قول البائع ) مع يمينه لأنهما اتفقا على وجوب الثمن الذي [ ص: 223 ] أقر به المشتري ثم المشتري يدعي سقوط زيادة من الثمن بنقصان قيمة الهالك والبائع ينكره فالقول قول المنكر مع يمينه .

فإن قيل : لماذا تعتبر قيمتهما يوم القبض دون العقد في حق انقسام القيمة ومسائل الزيادات تدل على هذا ; حتى قال محمد : قيمة الأم تعتبر يوم العقد وقيمة الزيادة يوم الزيادة وقيمة الولد يوم القبض ، لأن الأم صارت مقصودة بالعقد والزيادة بالزيادة والولد بالقبض ، وكل واحد من العبدين هاهنا صار مقصودا بالعقد فوجب اعتبار قيمتهما يوم العقد لا يوم القبض . قال الإمام ظهير الدين صاحب الفوائد : هذا إشكال هائل أوردته على كل قرم نحرير فلم يهتد أحد إلى جوابه ، ثم قال : والذي يخايل لي بعد طول التجشم أن فيما ذكر عن المسائل لم يتحقق ما يوجب الفسخ فيما صار مقصودا بالعقد ، وفيما نحن بصدده تحقق ما يوجب الفسخ فيما صار مقصودا بالعقد وهو التحالف ، أما في الحي منهما فظاهر وكذلك في الميت منهما ، لأنه إن تعذر الفسخ في الهالك لمكان الهلاك لم يتعذر اعتبار ما هو من لوازم الفسخ في الهالك وهو اعتبار قيمته يوم القبض لأن الهالك مضمون بالقيمة يوم القبض على تقدير الفسخ كما هو قول محمد ، حتى قال : يضمن المشتري قيمة الهالك على تقدير التحالف عنده فيجب إعمال التحالف في اعتبار قيمة الهالك يوم القبض فلهذا يعتبر قيمتهما يوم القبض ، كذا في النهاية وأكثر الشروح ، أقول : في التوجيه الذي ذكره الإمام ظهير الدين نظر ، لأن تحقق ما يوجب الفسخ فيما صار مقصودا بالعقد في حق الميت على قول أبي يوسف ممنوع ، لأن ما يوجب ذلك فيما نحن فيه إنما هو التحالف كما صرح به ، والتحالف إنما يجري عنده في الحي دون الميت ، وتعذر الفسخ في الهالك عنده لامتناع جريان التحالف فيه للهلاك لا لمجرد الهلاك بدون امتناع جريان التحالف ; ألا ترى أن محمدا لما أجاز التحالف على الهالك أيضا أجاز الفسخ في الهالك على قيمته ولم يكن الهلاك مانعا عنه .

فإذا لم يتحقق التحالف في الهالك على قول أبي يوسف وتعذر الفسخ فيه أيضا فما الباعث على اعتبار ما هو من لوازم الفسخ فيه ومجرد عدم تعذر اعتباره لا يقتضي اعتباره سيما عند تحقق ما يقتضي اعتبار القيمة يوم العقد وهو كونه مقصودا بالعقد . ثم إن صاحب العناية قال بعد نقل ما في تلك الشروح وأقول : الأصل فيما هلك وكان مقصودا بالعقد أن تعتبر قيمته يوم العقد ; إلا إذا وجد ما يوجب فسخ العقد فإنه يعتبر حينئذ قيمته يوم القبض ، لأنه لما انفسخ العقد وهو مقبوض على جهة الضمان تعين اعتبار قيمته يوم قبضه ، فيما نحن فيه لما كانت الصفقة واحدة وانفسخ العقد في القائم دون الهالك صار العقد مفسوخا في الهالك نظرا إلى اتخاذ الصفقة غير مفسوخ نظرا إلى وجود المانع وهو الهلاك ، فعملنا فيه بالوجهين وقلنا بلزوم الحصة من الثمن نظرا إلى عدم الانفساخ ، وبانقسامه على قيمته يوم القبض نظرا إلى الانفساخ انتهى .

أقول : وفيه أيضا نظر ، لأن قوله وفيما نحن فيه لما كانت الصفقة واحدة وانفسخ العقد في القائم صار العقد مفسوخا في الهالك نظرا إلى اتحاد الصفقة غير تام ، لأن اتحاد الصفقة إنما يقتضي انفساخ العقد في الهالك بانفساخه في القائم لو وقع الفسخ قبل قبضهما فإنه حينئذ يلزم تفريق الصفقة قبل تمامها وهو غير جائز . وأما إذا وقع الفسخ بعد قبضهما [ ص: 224 ] فلا يقتضي ذلك ، فإن اللازم حينئذ تفريق الصفقة بعد تمامها إذ هي تتم بالقبض وهو جائز ; ألا يرى إلى ما مر في باب خيار العيب من أن من اشترى عبدين صفقة واحدة فقبضهما ثم وجد بأحدهما عيبا فإنه يفسخ العقد في العيوب خاصة عند أئمتنا الثلاثة بناء على أن تفريق الصفقة بعد تمامها بالقبض جائز ، والمسألة فيما نحن فيه مفروضة فيما إذا هلك أحد العبدين بعد قبضهما كما تبين في صدر المسألة فلا يتم التقريب ( وأيهما أقام البينة تقبل بينته ) لأنه نور دعواه بالحجة ( وإن أقاماها فبينة البائع أولى ) لأنها أكثر إثباتا لإثباتها الزيادة في قيمة الهالك .

فإن قيل : المشتري يدعي زيادة في قيمة القائم فوجب أن تقبل بينته لإثباتها الزيادة . قلنا : إن الذي وقع الاختلاف فيه مقصودا قيمة الهالك ، والاختلاف في قيمة القائم يثبت ضمنا للاختلاف في قيمة الهالك ، وبينة البائع قامت على ما وقع الاختلاف فيه مقصودا فكانت أولى بالاعتبار ، كذا في النهاية ومعراج الدراية نقلا عن الإمام المرغيناني وقاضي خان ( وهو ) أي ما ذكر من قول أبي يوسف وتفريعاته ( قياس ما ذكر في بيوع الأصل ) أي المبسوط ( اشترى عبدين وقبضهما ثم رد أحدهما بالعيب وهلك الآخر عنده يجب عليه ثمن ما هلك عنده ويسقط عنه ثمن ما رده وينقسم الثمن على قيمتهما ) أي يوم القبض .

كذا في النهاية ( فإن اختلفا في قيمة الهالك ) أي في مسألة الأصل ( فالقول قول البائع ، لأن الثمن قد وجب باتفاقهما ثم المشتري يدعي زيادة السقوط بنقصان قيمة الهالك والبائع ينكره والقول للمنكر ، وإن أقاما البينة ) أي في مسألة الأصل ( فبينة البائع أولى ) لأنها أكثر إثباتا ظاهرا لإثباتها الزيادة في قيمة الهالك ، والبينات شرعت للإثبات فما كان أكثر إثباتا كان أولى ، قال المصنف ( وهذا لفقه ) أي اعتبار بينة البائع ويمينه لمعنى فقهي ( وهو أن في الأيمان تعتبر الحقيقة ) أي حقيقة الحال لئلا يلزم الإقدام على القسم بجهالة ، واستدل المصنف عليه بقوله ( لأنها ) أي الأيمان ( تتوجه على أحد العاقدين ) أي لا على الوكيل والنائب ( وهما ) أي المتعاقدان ( يعرفان حقيقة الحال ) لأن العقد فعل أنفسهما والإنسان أعرف بحال نفسه ( فيبني الأمر عليها ) أي على الحقيقة ( والبائع منكر حقيقة فلذا كان قوله ) لأنه ينكر سقوط الزيادة [ ص: 225 ] وفي البينات يعتبر الظاهر لأن الشاهدين لا يعلمان حقيقة الحال ) لأنهما يخبران عن فعل الغير لا عن فعل أنفسهما ، فيجوز أن يكون الحال في الواقع على خلاف ما ظهر عندهما بهزل أو تلجئة أو غير ذلك ( فاعتبر الظاهر في حقهما والبائع مدع ظاهرا فلهذا تقبل بينته أيضا ) أي كما اعتبر يمينه ( وتترجح ) أي تترجح بينته على بينة المشتري ( بالزيادة الظاهرة على ما مر ) هو قوله لأنها أكثر إثباتا ظاهرا ( وهذا ) أي ما ذكر في بيوع الأصل ( يبين لك معنى ما ذكرناه في قول أبي يوسف ) رحمه الله في التحالف وتفريعاته التي ذكرت في بيوع الجامع الصغير .

التالي السابق


الخدمات العلمية