صفحة جزء
قال ( الوتر ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام ) لما روت عائشة رضي الله عنها { أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يوتر بثلاث } [ ص: 427 ]

وحكى الحسن رحمه الله إجماع المسلمين على الثلاث ، هذا أحد أقوال الشافعي رحمه الله ، وفي قول يوتر بتسليمتين [ ص: 428 ] وهو قول مالك رحمه الله ، والحجة عليهما ما رويناه


( قوله لما روت عائشة رضي الله عنها ) روى الحاكم وقال على شرطهما عنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن } ، وكذا روى النسائي عنها قالت { كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر } وأخرج الحاكم قيل للحسن إن ابن عمر كان يسلم في الركعتين من الوتر فقال كان عمر أفقه منه وكان ينهض في الثانية بالتكبير انتهى وسكت عنه .

وروى [ ص: 427 ] الطحاوي عن روح بن الفرج عن شريك عن مخول عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث ، يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى } إلى آخر ما في حديث عائشة المروي في السنن الأربعة ، وصحيح ابن حبان والمستدرك { كان يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى ، وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون ، وفي الثالثة بقل هو الله أحد والمعوذتين } وظاهر هذا وصل الثالثة لجعله الأولى بعض الوتر في قوله من الوتر وإلا لقالت فيه وفي الركعة الوتر ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم { صلاة الليل مثنى مثنى } فإذا خشي الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى فليس فيه دلالة على أن الوتر واحدة بتحريمة مستأنفة لنحتاج إلى الاشتغال بجوابه ، إذ يحتمل كلا من ذلك ، ومن كونه إذا خشي الصبح صلى واحدة متصلة فأنى يقاوم الصرائح التي ذكرناها ، وغيرها كثير تركناه لحال الطول ، مع أن أكثر الصحابة عليه .

قال الطحاوي : حدثنا أبو بكر حدثنا أبو داود حدثنا أبو خالد قال : سألت أبا العالية عن الوتر فقال : علمنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوتر مثل صلاة المغرب . هذا وتر الليل وهذا وتر النهار . وقال حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت قال : صلى بنا أنس الوتر أنا عن يمينه وأم ولده خلفنا ثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن .

على أن لفظ الحديث لو كان كما قالوه يفيد تقيد جعلها واحدة بالضرورة وهي خشية طلوع الفجر خصوصا على قولهم من حجية مفهوم الشرط ، وعلى قولنا المتقرر نفي شرعيتها ، فإذا أبيحت بشرط تبقى فيما وراءه على العدم ، لكنا لا نجيزها أيضا لذلك عند خشية الصبح لأنه أحد محتمليه المتساويين كما قلنا ، فلا يجوز الحمل عليه بعينه لما ثبت به من المخالفة بين روايات فعله صلى الله عليه وسلم مع أنه تحكم عند تساوي الاحتمالين فتم المطلوب غير متوقف على ثبوت النهي عن البتيراء ، على أنه لو صح شرعيتها لم يلزم كون الوتر إياها إلا بدليل يخص ذلك ، كما أن الشفع مشروع ولا يمكن ادعاء كون بعض الفرائض بخصوصه إياه إلا بدليل ، وقد بينا أن الثابت كونه ثلاثا كالمغرب ، وكذا صح عن ابن مسعود { وتر الليل ثلاث كوتر النهار } ، وإنما ضعفوا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يرفعه عن الأعمش عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا يحيى بن أبي الحواجب وقد ضعف .

واعلم أن فيما روينا قراءته صلى الله عليه وسلم في الثالثة بسورة الإخلاص والمعوذتين ، ولم يذكر أصحابنا سوى قراءة الإخلاص ، وذلك لأن أبا حنيفة رحمه الله روى في مسنده عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى ، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون ، وفي الثالثة قل هو الله أحد } ( قوله وحكى الحسن إجماع المسلمين ) في مصنف ابن أبي شيبة حدثنا حفص حدثنا عمرو عن الحسن قال : [ ص: 428 ] اجتمع المسلمون على أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن ، وعمرو هذا الظاهر أنه ابن عبيد فإنه صرح به في إسناد آخر مثل هذا .

وقال الطحاوي : حدثنا أبو العوام محمد بن عبد الله بن عبد الجبار المرادي ، حدثنا خالد بن نزار الأيلي ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي زياد عن أبيه عن الفقهاء السبعة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبي بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار في مشيخة سواهم أهل فقه وصلاح ، فكان مما وعيت عنهم أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية