صفحة جزء
[ ص: 50 ] فصل قال : ( ومن وهب جارية إلا حملها صحت الهبة وبطل الاستثناء ) ; لأن الاستثناء لا يعمل إلا في محل يعمل فيه العقد ، والهبة لا تعمل في الحمل لكونه وصفا على ما بيناه في البيوع فانقلب شرطا فاسدا ، والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة ، وهذا هو الحكم في النكاح والخلع والصلح عن دم العمد ; لأنها لا تبطل بالشروط الفاسدة ، بخلاف البيع والإجارة والرهن ; لأنها تبطل بها .


[ ص: 50 ] فصل ) لما كانت المسائل المذكورة في هذا الفصل متعلقة بالهبة بنوع من التعلق وصارت بمنزلة مسائل شتى ذكرها في فصل على حدة ( قوله : ومن وهب جارية إلا حملها صحت الهبة وبطل الاستثناء ; لأن الاستثناء لا يعمل إلا في محل يعمل فيه العقد ، والهبة لا تعمل في الحمل لكونه وصفا على ما بيناه في البيوع فانقلب شرطا فاسدا ، والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة ) . توضيح هذا الدليل أن الاستثناء لا يعمل إلا في محل يعمل فيه العقد ، والهبة لا تعمل في الحمل ; لكونه وصفا ، والعقد لا يرد على الأوصاف مقصودا ، حتى لو وهب الحمل لآخر لا يصح ، فكذا إذا استثنى على ما مر في البيوع ، فإذا لم يكن الاستثناء عاملا انقلب شرطا فاسدا ; لأن اسم [ ص: 51 ] الجارية يتناول الحمل تبعا لكونه جزءا منها ، فلما استثنى الحمل كان الاستثناء مخالفا لمقتضى العقد وهو معنى الشرط الفاسد ، والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة ; لأن الملك في باب الهبة معلق بفعل حسي وهو القبض ، والقبض لا يفسد بالشروط ، وإنما تؤثر الشروط في العقود الشرعية . هذا زبدة ما في الشروح .

وذكر صاحب الكفاية دليلا آخر على بطلان الاستثناء بعد أن ذكر ما في الكتاب حيث قال : ولأن الاستثناء تصرف في اللفظ فلا يعمل إلا في الملفوظ ، والحمل جزء من أجزائها فيكون في حكم الأوصاف ، واللفظ يرد على الذات لا على الأوصاف فلا يصح استثناؤه ; لأنه ليس بملفوظ ا هـ . أقول : فيه بحث ، إذ لو صح هذا الدليل لدل على بطلان استثناء الحمل في الوصية أيضا لجريانه فيه بعينه وليس كذلك قطعا على ما صرحوا به قاطبة ، وسيأتي في وصايا هذا الكتاب أن من أوصى بجارية إلا حملها صحت الوصية ، والاستثناء ; لأن اسم الجارية لا يتناول الحمل لفظا ولكنه يستحق بالإطلاق تبعا ، فإذا أفرد الأم بالوصية صح إفرادها ; ولأنه يصح إفراد الحمل بالوصية فجاز استثناؤه منه . ا هـ . وقال في الكافي هناك : فإن قيل : إذا لم يتناوله اللفظ فينبغي أن لا يصح الاستثناء ; لأنه تصرف في الملفوظ . قلنا : يكفي لصحة التزيي بزيه كما في استثناء إبليس ، على أن صحته لا تفتقر إلى التناول اللفظي بدليل صحة استثناء قفيز حنطة من ألف درهم . ا هـ . فيدل ذلك على عدم صحة ما في الكفاية هاهنا ، وطولب بالفرق هاهنا بين الحمل وبين الصوف على ظهر الغنم ، واللبن في الضرع ، فإنه إذا وهب لرجل على ظهر الغنم من الصوف أو ما في الضرع من اللبن وأمره بجز الصوف وحلب اللبن ، وقبض الموهوب له ذلك فإنه جائز له استحسانا ، وفي الحمل لا يجوز .

وأجيب بأن ما في البطن ليس بمال أصلا ولا يعلم وجوده حقيقة . بخلاف الصوف واللبن ، وبأن إخراج الولد من البطن ليس إليه فلا يمكن أن يجعل في ذلك نائبا عن الواهب ، بخلاف الجزاز في الصوف ، والحلب في اللبن ، كذا في الشروح ، وعزاه في النهاية إلى المبسوط . أقول : في كل من وجهي الجواب المذكور نظر . أما في وجهه الأول فلأن ما في البطن لو لم يكن مالا أصلا ، ولم يعلم وجوده حقيقة لما صح إعتاقه وتدبيره وإيصاؤه ، وقد صح كل منها على ما نصوا عليه في مواضعه ، ويدل على صحة الأولين أيضا المسألتان الآتيتان هاهنا ، وهما قوله : ولو أعتق ما في بطنها ثم وهبها جاز ، وقوله ولو دبر ما في بطنها ثم وهبها لم يجز . وأما في وجهه الثاني فلأن كون إخراج الولد ليس إليه إنما يقتضي عدم صحة الهبة فيما إذا أمره الواهب بقبض الحمل في الحال ، وأما فيما إذا أمره الواهب بقبضه بعد الولادة فلا ، إذ يمكن له حينئذ أن يقبضه بعد الولادة أصالة بدون النيابة عن الواهب ، ولعل هذا هو السر في أن قال بعض أصحابنا إن أمره في الحمل بقبضه بعد الولادة فقبض يجوز استحسانا كما في الصوف ، واللبن على ما ذكره صاحب النهاية في أول الجواب المذكور .

وقال : ولكن الأصح أنه لا يجوز في الحمل أصلا ; لأن ما في البطن ليس بمال إلخ . ثم أقول : على فرض أن يكون الجواب المذكور بوجهيه سالما عما ذكرناه لا يندفع به السؤال المزبور ; لأن مورد ذلك السؤال قول المصنف ، والهبة لا تعمل في الحمل لكونه وصفا على ما بيناه في البيوع . وحاصله أن الصوف على ظهر الغنم ، واللبن في الضرع أيضا من أوصاف الحيوان كالحمل على ما تقرر في باب البيع الفاسد في كتاب البيوع ، فما الفرق بين الحمل وبين الصوف ، واللبن من هذه الحيثية حتى تصح الهبة فيما دون الحمل ، والجواب المذكور إنما يفيد الفرق بين الفصلين من حيثية أخرى ، وذا لا يجدي شيئا يندفع به مطالبة الفرق بينهما من الحيثية المذكورة في الكتاب فلا يتم المطلوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية