صفحة جزء
وأما اشتراط قبول العبد فلأنه مال يلزمه فلا بد من التزامه ولا يعتق إلا بأداء كل البدل لقوله عليه الصلاة والسلام { أيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد } وقال عليه الصلاة والسلام { المكاتب عبد ما بقي عليه درهم } وفيه اختلاف الصحابة رضي الله عنهم ، وما اخترناه قول زيد بن ثابت رضي الله عنه ، [ ص: 157 ] ويعتق بأدائه وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر لأن موجب العقد يثبت من غير التصريح به كما في البيع ، ولا يجب حط شيء من البدل اعتبارا بالبيع .


( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام { أيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد } إلخ ) قال تاج الشريعة : فإن قلت : اختلاف الصحابة في المسألة وتكلمهم فيها بالرأي يدل على زيافة الحديث كما عرف ، ولهذا زيفنا ما روى أصحاب الشافعي أنه عليه الصلاة والسلام قال { ابتغوا في أموال اليتامى خيرا كي لا يأكلها الزكاة } في إيجاب الزكاة في مال الصبي بأن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في هذه [ ص: 157 ] المسألة ولم يحتج أحد منهم بهذا الحديث . قلت : جاز أنه ما بلغ إليهم انتهى كلامه . أقول : في الجواب بحث ، لأنه مشترك الإلزام ، إذ يجري في كل موضع وقع فيه اختلاف الصحابة أن يقال : جاز إن لم يبلغ إليهم الحديث فيلزم أن لا يتم الاستدلال باختلاف الصحابة في مسألة وتكلمهم فيها بالرأي على زيافة حديث قط مع أنه خلاف ما عرف . والأظهر في الجواب أن يمنع كون اختلاف الصحابة في هذه المسألة بالرأي ، ويقال : يجوز أن يكون اختلافهم فيها باعتبار ورود حديث آخر بخلاف ذلك ، كما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال { إذا أصاب المكاتب ميراثا ورث بحساب ما عتق منه } وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال { يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر ، وبما بقي دية عبد } كما ذكر في بعض الكتب ، والذي يدل على زيافة الحديث إنما هو اختلافهم بالرأي ، لأن استعمال الرأي في موضع النص لا يجوز على ما عرف في الأصول ( قوله ويعتق بأدائه وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر لأن موجب العقد يثبت من غير التصريح به كما في البيع ) وعند الشافعي : لا يعتق ما لم يقل كاتبتك على كذا على أنك إن أديته إلي فأنت حر . قال كثير من الشراح : وحاصل الاختلاف بيننا وبينه راجع إلى تفسير الكتابة ، فعندنا تفسيرها شرعا ضم حرية اليد إلى حرية الرقبة عند الأداء ، فكأنه قال : أوجبت حرية اليد في الحال وحرية الرقبة عند أداء المال ، ولو نص على هذا عتق عند الأداء ، كذا هذا . وعند الشافعي : تفسيرها ضم نجم إلى نجم ، ولو نص عليه بأن قال : ضربت عليك ألفا على أن تؤديها إلي كل شهر كذا لم يعتق ، كذا هذا انتهى كلامهم . وقال بعض الفضلاء بعد نقل هذا عن الحواشي الجلالية منقولا فيها عن المبسوط : لا يخفى عليك أن ما ذكر من الضم ليس بتفسير الكتابة بل موجب العقد كما نص عليه المصنف انتهى . أقول : تنصيص المصنف عليه ممنوع كما لا يخفى على الناظر في عبارته هاهنا ، بل لا يبعد أن يدعي تنصيصه على خلافه بعد صحيفة حيث قال : أما الخروج من يده فلتحقيق معنى الكتابة وهو الضم انتهى . ولئن سلم ذلك فكون الضم المذكور موجب العقد لا ينافي كونه تفسيرا للكتابة ، لأن موجب الشيء من لوازمه وتفسير الشيء بلازمه ليس بعزيز كما هو حال الرسوم عامة . ولئن سلم ذلك أيضا فيجوز أن يكون معنى قولهم راجع إلى تفسير الكتابة راجع إلى تفسير موجب الكتابة على حذف المضاف كما هو الطريقة الشائعة المسماة بالمجاز بالحذف ، ومنها قوله تعالى { وجاء ربك } أي أمر ربك وقوله تعالى { واسأل القرية } أي أهل القرية ، إلى غير ذلك فلا معنى لرد كلام الثقات بما هو وهم محض ( قوله ولا يجب حط شيء من البدل اعتبارا بالبيع ) وقال الشافعي : يستحق عليه حط ربع البدل وهو قول عثمان رضي الله عنه لظاهر قوله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } فإن الأمر المطلق للوجوب . والجواب أن دلالة الآية على ذلك ممنوعة لأنه قال من مال الله وهو [ ص: 158 ] يطلق على أموال القرب كالصدقات والزكوات ، فكأن الله تعالى أمرنا أن نعطي المكاتبين من صدقاتنا ليستعينوا به على أداء الكتابة ، والمأمور به الإيتاء وهو الإعطاء ، والحط لا يسمى إعطاء ، والمال الذي آتانا الله هو ما في أيدينا لا الوصف الثابت في ذمة المكاتبين ، فحمله على حط ربع بدل الكتابة عمل بلا دليل ، ولو سلم فالمراد به الندب كالذي في قوله { فكاتبوهم } لا يقال : القرآن في النظم لا يوجب القرآن في الحكم ، لأنا لم نجعل القرآن موجبا نقول : الأمر المطلق على قرينة غير الوجوب للوجوب ، وقوله { فكاتبوهم } قرينة لذلك . كذا في العناية . أقول : فيه نظر ، لأن قوله تعالى { فكاتبوهم } لا يصلح أن يكون قرينة لكون الأمر في قوله { وآتوهم } لغير الوجوب بدون ملاحظة إيجاب القرآن في نظم القرآن في الحكم ، إذ لا دلالة في مجرد كون أمر لغير الوجوب على كون أمر آخر أيضا لذلك حتى يجعل كون الأمر في قوله بعد { فكاتبوهم } للندب قرينة لكون الأمر في { وآتوهم } أيضا لذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية