صفحة جزء
قال ( وإذا كاتب المولى أم ولده جاز ) لحاجتها إلى استفادة الحرية قبل موت المولى وذلك بالكتابة ، ولا ينافي بينهما لأنه تلقتها جهتا حرية ( فإن مات المولى عتقت بالاستيلاد ) لتعلق عتقها بموت السيد ( وسقط عنها بدل الكتابة ) لأن الغرض من إيجاب البدل العتق عند الأداء ، فإذا عتقت قبله لم يمكن توفير الغرض عليه فسقط وبطلت الكتابة لامتناع إبقائها بغير فائدة ، [ ص: 187 ] غير أنه تسلم لها الأكساب والأولاد لأن الكتابة انفسخت في حق البدل وبقيت في حق الأكساب والأولاد ، لأن الفسخ لنظرها والنظر فيما ذكرناه .

ولو أدت المكاتبة قبل موت المولى عتقت بالكتابة لأنها باقية .


( قوله وإذا كاتب المولى أم ولده جاز لحاجتها إلى استفادة الحرية قبل موت المولى وذلك بالكتابة ، ولا تنافي بينهما لأنه تلقتها جهتا حرية ) قال صاحب العناية : لا يقال أحدهما يقتضي العتق ببدل والآخر بلا بدل والعتق الواحد لا يثبت بهما فكانا متنافيين ، لأنه لا تنافي بينهما لكونهما جهتي عتق تلقتاها على سبيل البدل انتهى . ورد بعض الفضلاء قوله والعتق الواحد لا يثبت بهما فكانا متنافيين بأن قال : إن أراد الوحدة الشخصية فغير مسلم ، كيف وفي العتق بالكتابة تسلم لها الأكساب ، بخلاف العتق بأمومية الولد ، وإن أراد النوعية فلا تنافي انتهى .

أقول : وهو مردود بشقيه . أما شقه الأول فلأن صاحب العناية إن أراد بقوله والعتق الواحد لا يثبت بهما الوحدة الشخصية كما هو الظاهر فلا مجال لعدم تسليمه ، لأنه ما قال العتق الواحد يثبت بهما حتى لا يسلم ذلك ويجعل اختلاف العتق بالكتابة ، والعتق بأمومية الولد في اللوازم سندا لمنع ذلك ، بل قال : العتق الواحد لا يثبت بهما ، وعدم ثبوت العتق الواحد الشخصي بالسببين المختلفين في اللوازم أمر جلي لا يقبل المنع ، وما ذكره ذلك البعض في معرض السند بقوله كيف وفي العتق بالكتابة إلخ لا يصح أن يكون سندا لمنع ذلك ، بل إنما يكون علة لسقوط المنع عنه .

وأما شقه الثاني فلأنه إن أراد بقوله فلا تنافي في قوله ، وإن أراد النوعية فلا تنافي أنه لا تنافي بينهما من حيث الاجتماع فهو ممنوع ، كيف والعتق بالكتابة يستلزم سلامة الأكساب لها ، بخلاف العتق بأمومية الولد فأنى يجتمعان معا ، وإن أراد بذلك أنه لا تنافي بينهما من حيث [ ص: 187 ] التلقي على سبيل البدل فهو عين ما قاله صاحب العناية في تعليل لا يقال ( قوله غير أنه تسلم لها الأكساب والأولاد لأن الكتابة انفسخت في حق البدل وبقيت في حق الأكساب والأولاد ، لأن الفسخ لنظرها والنظر فيما ذكرناه ) قال صاحب غاية البيان : ولقائل أن يقول : النظر في إيفاء حقها إليها وحقها الحرية وقد حصل لا في إبطال حق الغير ، لأن الكسب حصل لها قبل موت المولى وكلامنا فيه ، ولم تعتق هي قبل موت المولى بل هي مملوكة حينئذ فينبغي أن يكون الكسب للمولى لا لها لأنها عتقت بالاستيلاد لا بالكتابة انتهى .

وقال بعض الفضلاء : بعد نقل هذا الإيراد عن الشارح المزبور : وأنت خبير أنه ليس فيه إبطال حق الغير لأنها عتقت وهي مكاتبة ، وملكها يمنع من ثبوت ملك الغير فيه تأمل انتهى . أقول : ليس هذا بدفع صحيح لأن ملك المكاتب [ ص: 188 ] والمكاتبة في أكسابهما إنما هو يدا لا رقبة ولهذا لا يملكان التبرع فيهما ، وإنما رقبة أكسابهما ملك مولاهما كرقبة أنفسهما ما لم يؤديا بدل كتابتهما بالتمام كما يفهم هذا كله مما سبق ومما يأتي .

فقوله وملكها يمنع من ثبوت ملك الغير فيه ليس بجيد لأن ملكها في كسبها يدا لا يمنع ملك الغير الذي هو المولى فيه رقبة فلا يندفع الاستشكال بلزوم إبطال حق الغير بالنظر إلى ملك الرقبة ثم قال صاحب العناية : ولنا في قوله تسلم لها الأولاد أيضا نظر ، لأنه لا حاجة إلى ذكر الأولاد بالتعليل الذي ذكره لأن الكتابة لو اعتبرت مفسوخة أيضا في حق الأولاد يكون النظر لها باقيا ، لأن حكم ولد أم الولد له حكم الأم لأنه تابع للأم حالة الولادة انتهى كلامه .

أقول : هذا النظر ساقط جدا ، لأن المراد بالأولاد التي ذكرت بالتعليل المذكور هي الأولاد التي ولدت قبل كتابة أمها من غير مولى أمها وقد اشترتها أمها حالة الكتابة كما صرح به تاج الشريعة حيث فسر الأولاد في قول المصنف تسلم لها الأكساب والأولاد بقوله : أي الأولاد التي اشترتها المكاتبة في حال الكتابة لا الأولاد التي ولدت من مولاها انتهى .

ولا شك في الحاجة إلى التعليل الذي ذكره المصنف في بيان سلامة أمثال تلك الأولاد ، إذ لو اعتبرت الكتابة مفسوخة أيضا في حق بأمثالهم لكانوا أرقاء لورثة المولى فلم يكن النظر لها باقيا في حقهم إذ ذاك قطعا . وقال صاحب العناية في هذا المقام : ولقائل أن يقول : الكتابة عقد أحد فكيف ويتصور بطلانه وعدم بطلانه في حالة واحدة ؟ والجواب أن تحقيق كلامه أن بطلان عقد الكتابة يتصور باعتبارين : أحدهما أن يبطل بعجز المكاتب عن إيفاء البدل ، والثاني أن يبطل بانتهائه بإيفائه .

وبالأول يعود رقيقا فأولاده وأكسابه لمولاه ، وبالثاني يعتق هو وأولاده ويخلص له ما بقي من أكسابه ، وحيث احتجنا إلى إبطال الكتابة نظرا للمكاتب وكان النظر له في الثاني دون الأول صرنا إليه .

أقول : لا السؤال شيء ولا الجواب . أما الأول فلأن كون الكتابة عقدا واحدا لا ينافي تصور بطلانه وعدم بطلانه في حالة واحدة إذا كانا من جهتين مختلفتين ، فإنهم شرطوا في تحقق التناقض أمورا منها وحدة الجهة ، وهاهنا لم تتحقق تلك الوحدة لأن بطلان عقد الكتابة من جهة البدل وعدم بطلانه من جهة الأولاد والأكساب كما يفصح عنه قول المصنف ، لأن الكتابة انفسخت في حق البدل وبقيت في حق الأكساب والأولاد فلا محذور أصلا . وأما الثاني فلوجوه : أحدها أن انتهاء الكتابة بإيفاء البدل إنما هو تمامها وتقررها ، فجعل أحد طريقي بطلانها مما لا يساعده العقل والنقل .

وثانيها أن المكاتبة في مسألتنا هذه ممن لم يقع منه إيفاء البدل فكيف يحمل بطلان الكتابة في حقها على إيفائه واعتبار غير الواقع واقعا لمجرد النظر لها مما لا نظير له في قواعد الشرع .

وثالثها أن قول المصنف لأن الكتابة انفسخت في حق البدل وبقيت في حق الأكساب والأولاد ينافي المعنى الذي عده الشارح المزبور تحقيق كلامه ، لأنه على تقدير أن يحمل المقام على انتهاء الكتابة بإيفاء تمام البدل يصير إتمام الكتابة في حق البدل وفي حق الأكساب والأولاد على السواء كما هو الحال عند إيفاء البدل حقيقة فلا يكون لاعتبار انفساخ الكتابة في حق البدل وبقائها في حق الأكساب والأولاد وجه . ورابعها أن حمل بطلان عقد الكتابة هاهنا على المعنى الثاني الذي تخيله هذا الشارح لا يدفع أصل السؤال ، لأن بطلان العقد على أي معنى كان وعدمه في حالة واحدة متنافيان قطعا إذا كانا من جهة واحدة ، وإن صير إلى اختلاف الجهتين لا يبقى احتياج إلى مقدمة من مقدمات الجواب المذكور أصلا .

ثم قال صاحب العناية : لا يقال في كلام المصنف تسامح لأنه علل بطلانه بامتناع بقائه من غير فائدة ، ثم علله بالنظر له والمعلول الواحد بالشخص لا يعلل بعلتين مختلفتين ، لأن للكتابة جهتين : جهة هي للمكاتب ، وجهة هي عليه ، وعلل الثانية بالأولى والأولى بالثانية فتأمله فلعله سديد ، إلى هنا كلامه . أقول : هذا السؤال أيضا ليس بشيء وجوابه ليس بسديد .

أما الأول فلأن المعلول الواحد بالشخص إنما لا يعلل بعلتين مستقلتين على سبيل الاجتماع . وأما على سبيل البدل فيعلل بهما قطعا على ما تبين في موضعه ، والأمر فيما نحن فيه وفي سائر المسائل التي يذكر لها دليلان أو أدلة كذلك ، فإن المقصود في أمثال ذلك التنبيه على أن كل واحد من الدليلين أو الأدلة مما يصح أن يعلل به المطلوب بدلا عن الآخر .

[ ص: 189 ] وأما الثاني فلأن كون المعلل بالعلة الأولى الجهة التي هي على المكاتب ممنوع ، لأن تلك الجهة أن يلزمه إبقاء البدل وقوله لامتناع إبقائها من غير فائدة لا يدل على ذلك ، بل يدل على خلافه لأن عدم الفائدة بسقوط بدل الكتابة عنها ، وإذا أسقط عنها البدل لا يلزمها إيفاؤه قطعا فلم يكن ما ذكره من توزيع التعليلين على ما لها وما عليها سديدا كما لا يخفى

التالي السابق


الخدمات العلمية