صفحة جزء
[ ص: 212 ] قال ( وإن مات المكاتب وله ولد من حرة وترك دينا وفاء بمكاتبته فجنى الولد فقضي به على عاقلة الأم لم يكن ذلك قضاء بعجز المكاتب ) لأن هذا القضاء يقرر حكم الكتابة ، لأن من قضيتها إلحاق الولد بموالي الأم وإيجاب العقل عليهم ، لكن على وجه يحتمل أن يعتق فينجر الولاء إلى موالي الأب ، والقضاء بما يقرر حكمه لا يكون تعجيزا ( وإن اختصم موالي الأم وموالي الأب في ولائه فقضى به لموالي الأم فهو قضاء بالعجز ) لأن هذا اختلاف في الولاء مقصودا ، وذلك ينبني على بقاء الكتابة وانتقاضها ، فإنها إذا فسخت مات عبدا واستقر [ ص: 213 ] الولاء على موالي الأم ، وإذا بقيت واتصل بها الأداء مات حرا وانتقل الولاء إلى موالي الأب ، وهذا فصل مجتهد فيه فينفذ ما يلاقيه من القضاء فلهذا كان تعجيزا .


( قوله وإن مات المكاتب وله ولد من حرة إلخ ) قال صاحب العناية : ذكر هذه المسألة والتي بعدها لبيان الفرق بينهما انتهى . أقول : هذا كلام لا حاصل له ، لأن الفرق متحقق بين كل مسألتين ، وإلا لم تكونا مسألتين بل صارتا مسألة واحدة ، فكل مسألتين إذا ذكرتا يعرف الفرق بينهما ، فما وجه تخصيص علية بيان الفرق بذكر هاتين المسألتين ؟ فإن قيل : الفرق بين هاتين المسألتين خفي فكان بيانه أهم فيهما ولهذا خص عليته بذكرهما .

قلنا : خفاء الفرق متحقق في كثير من المسألتين كما لا يخفى ، فلم يتم وجه التخصيص ، وأيضا لو كان ذكرهما لمجرد بيان الفرق بينهما لما استحقت واحدة منهما للذكر منفردة عن الأخرى ، ولا شك أن كل واحدة منهما مسألة مهمة بنفسها مقصودة بالذكر والبيان ، وعلى أن الفرق بين مفهومي هاتين المسألتين ظاهر غني عن البيان ، وإنما المحتاج إلى البيان هو الفرق بين عليتهما ، وبين الفرق بين عليتهما إنما وقع في الهداية ، وهاتان المسألتان أنفسهما مذكورتان في البداية أيضا بدون بيان العلة ، فلم يكن ذكرهما لبيان الفرق بينهما بل كان لبيان حكمهما في أنفسهما ، ويفهم الفرق بينهما من حيث الحكم كما في سائر المسائل ( قوله لأن هذا القضاء يقرر حكم الكتابة ، لأن من قضيتها إلحاق الولد بموالي الأم وإيجاب العقل عليهم على وجه يحتمل أن يعتق فينجر الولاء إلى موالي الأب ، والقضاء بما يقرر حكمه لا يكون تعجيزا ) .

قال صاحب [ ص: 213 ] العناية في حل هذا المحل : لأن هذا القضاء يقرر حكم الكتابة ، وكل ما يقرر شيئا لا يبطله . أما أنه يقرر حكم الكتابة فلأن الكتابة تستلزم إلحاق الولد بموالي الأم وإيجاب العقل عليهم على وجه يحتمل أن يعتق المكاتب فينجر ولاء ابنه إلى مواليه ، لأن الولاء كالنسب والنسب إنما يثبت من قوم الأم عند تعذر إثباته من الأب ، حتى لو ارتفع المانع من إثباته منه ، كما إذا أكذب المكاتب الملاعن نفسه عاد النسب إليه فكذلك الولاء ، فكان إيجاب العقل من لوازمها ، وثبوت اللازم يقرر ثبوت ملزومه .

وأما أن كل ما يقرر شيئا لا يبطله فلئلا يعود على موضوعه بالنقض انتهى كلامه . أقول : في تقريره نوع إشكال على طريق أهل المعقول فإن قوله ثبوت اللازم يقرر ثبوت ملزومه ممنوع ، إذ لا يلزم من ثبوت اللازم ثبوت الملزوم لجواز أن يكون اللازم أعم من الملزوم ، ولا شك أن تحقق العام لا يستلزم تحقق الخاص ، والظاهر فيما نحن فيه عموم اللازم لأن إيجاب العقل على موالي الأم يتحقق في صورة أن يقضي بعجز المكاتب كما يتحقق في صورة أن يبقى على كتابته فلا يتم التقريب .

ثم أقول : يمكن دفعه بأن اللازم هاهنا ليس مطلق إيجاب العقل على موالي الأم ، بل إيجابه عليهم على وجه يحتمل أن يعتق المكاتب فيجر ولاء ابنه إلى مواليه وإيجابه عليهم على ذلك الوجه لازم مساو لصورة إبقاء الكتابة ، إذ في صورة القضاء بالعجز ينتفي هذا اللازم بانتفاء جزئه وهو احتمال جر الولاء كما صرح به في المسألة الآتية ، ولكن بقي هاهنا شيء ، وهو أن المانع أن يمنع ثبوت هذا اللازم المقيد فيما نحن فيه ، لأن ثبوته فيه يتوقف على أن لا يكون القضاء بموجب جناية الولد على عاقلة الأم قضاء بعجز المكاتب وهو أول المسألة ، فلا يخلو التعليل المذكور عن نوع المصادرة فتأمل

التالي السابق


الخدمات العلمية