صفحة جزء
( ثم المزارعة لصحتها على قول من يجيزها شروط : أحدها كون الأرض صالحة للزراعة ) لأن المقصود لا يحصل بدونه ( والثاني أن يكون رب الأرض والمزارع من أهل العقد وهو لا يختص به ) لأنه عقد ما لا يصح إلا من الأهل ( والثالث بيان المدة ) لأنه عقد على منافع الأرض أو منافع العامل والمدة هي المعيار لها ليعلم بها ( والرابع بيان من عليه البذر ) قطعا للمنازعة وإعلاما للمعقود عليه وهو منافع الأرض أو منافع العامل .

[ ص: 465 ] ( والخامس بيان نصيب من لا بذر من قبله ) لأنه يستحقه عوضا بالشرط فلا بد أن يكون معلوما ، وما لا يعلم لا يستحق شرطا بالعقد . ( والسادس أن يخلي رب الأرض بينها وبين العامل ، حتى لو شرط عمل رب الأرض يفسد العقد ) لفوات التخلية ( والسابع الشركة في الخارج بعد حصوله ) لأنه ينعقد شركة في الانتهاء ، فما يقطع هذه الشركة كان مفسدا للعقد ( والثامن بيان جنس البذر ) ليصير الأجر معلوما .


( قوله والخامس بيان نصيب من لا بذر من قبله لأنه يستحقه عوضا بالشرط فلا بد أن يكون معلوما ) أقول : لا شك أن بيان نصيب كل من المتعاقدين مما لا بد منه في عقد المزارعة ، فعد بيان نصيب من لا بذر من قبله من الشرائط دون بيان نصيب الآخر مما لا يجدي كبير طائل فتأمل ( قوله والسابع الشركة في الخارج بعد حصوله لأنه ينعقد شركة في الانتهاء فما يقطع هذه الشركة كان مفسدا للعقد ) قال كثير من الشراح : لأنه إذا شرط فيها ما يقطع الشركة في الخارج تبقى إجارة محضة ، والقياس يأبى جواز الإجارة المحضة بأجر معدوم انتهى .

أقول : فيه شيء ، وهو أن القياس كما يأبى جواز قياس الإجارة المحضة بأجر معدوم يأبى جوازها بأجر موجود أيضا ، إذا قد تقرر في كتاب الإجارة أن القياس يأبى جواز الإجارة مطلقا لكون المعقود عليه الذي هو المنفعة غير موجود في الحال ، لكنا جوزناها استحسانا لحاجة الناس إليها فكيف يتم الاستدلال بمجرد أن يأبى القياس جوازها على فساد المزارعة على تقدير بقائها إجارة محضة ، فالأظهر أن يقال بدل قولهم والقياس يأبى جواز الإجارة المحضة بأجر معدوم والإجارة المحضة بأجر معدوم فاسدة قطعا . ثم أقول : لا يذهب على ذي فطرة سليمة أن مراد المصنف هاهنا غير ما ذكره هؤلاء الشراح ، فإنهم عللوا كون ما يقطع هذه الشركة مفسدا للعقد بأنه إذا شرط فيها ما يقطع الشركة في الخارج تبقى إجارة محضة ، والقياس يأبى جواز الإجارة المحضة بأجر معدوم ، والمصنف فرع كون ما يقطع هذه الشركة مفسدا للعقد على ما قبله حيث قال فما يقطع هذه الشركة كان مفسدا للعقد فقد جعل علة ذلك ما قبله وهو مضمون قوله لأنه ينعقد شركة في الانتهاء فمراده أن عقد المزارعة شركة في الانتهاء وإن كان إجارة في الابتداء فكان معنى الشركة معتبرا في انعقاد المزارعة ، فما يقطع هذه الشركة ينفي المعنى المعتبر في انعقادها فيفسد عقد المزارعة لا محالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية