صفحة جزء
قال ( ولا تصح المزارعة إلا على مدة معلومة ) لما بينا ( وأن يكون الخارج شائعا بينهما ) تحقيقا لمعنى الشركة ( فإن شرطا لأحدهما قفزانا مسماة فهي باطلة ) لأن به تنقطع الشركة لأن الأرض عساها لا تخرج إلا هذا القدر ، فصار كاشتراط دراهم معدودة لأحدهما في المضاربة ، وكذا إذا شرطا أن يرفع صاحب البذر بذره ويكون الباقي بينهما نصفين ، لأنه يؤدي إلى قطع الشركة في بعض معين أو في جميعه بأن لم يخرج إلا قدر البذر فصار كما إذا شرطا رفع الخراج ، والأرض خراجية وأن يكون الباقي بينهما لأنه معين ، بخلاف ما إذا شرط صاحب البذر عشر الخارج لنفسه أو للآخر والباقي بينهما لأنه معين مشاع فلا يؤدي إلى قطع الشركة ، كما إذا شرطا رفع العشر ، وقسمة الباقي بينهما والأرض عشرية .

قال ( وكذا إذا ) ( شرطا ما على الماذيانات والسواقي ) معناه لأحدهما ، لأنه إذا شرط لأحدهما زرع موضع معين أفضى ذلك إلى قطع الشركة ، لأنه لعله لا يخرج إلا [ ص: 470 ] من ذلك الموضع ، على هذا إذا شرط لأحدهما ما يخرج من ناحية معينة ولآخر ما يخرج من ناحية أخرى ( وكذا إذا شرط لأحدهما التبن وللآخر الحب ) لأنه عسى أن يصيبه آفة فلا ينعقد الحب ولا يخرج إلا التبن ( وكذا إذا شرطا التبن نصفين والحب لأحدهما بعينه ) لأنه يؤدي إلى قطع الشركة فيما هو المقصود وهو الحب ( ولو شرط الحب نصفين ولم يتعرضا للتبن صحت ) لاشتراطهما الشركة فيما هو المقصود ، ( ثم التبن يكون لصاحب البذر ) لأنه نماء بذره وفي حقه لا يحتاج إلى الشرط .

والمفسد هو الشرط ، وهذا سكوت عنه . وقال مشايخ بلخ رحمهم الله : التبن بينهما أيضا اعتبارا للعرف فيما لم ينص عليه المتعاقدان ، ولأنه تبع للحب والتبع يقوم بشرط الأصل . ( ولو شرطا الحب نصفين والتبن لصاحب البذر صحت ) لأنه حكم العقد ( وإن شرطا التبن للآخر فسدت ) لأنه شرط يؤدي إلى قطع الشركة بأن لا يخرج إلا التبن واستحقاق غير صاحب البذر بالشرط . قال ( وإذا صحت المزارعة فالخارج على الشرط ) لصحة الالتزام ( وإن لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء للعامل ) لأنه يستحقه شركة ، ولا [ ص: 471 ] شركة في غير الخارج ، وإن كانت إجارة فالأجر مسمى فلا يستحق غيره ، بخلاف ما إذا فسدت لأن أجر المثل في الذمة ولا تفوت الذمة بعدم الخارج قال ( وإذا فسدت فالخارج لصاحب البذر ) لأنه نماء ملكه ، واستحقاق الأجر بالتسمية وقد فسدت فبقي النماء كله لصاحب البذر .

قال ( ولو كان البذر من قبل رب الأرض فللعامل أجر مثله لا يزاد على مقدار ما شرط له من الخارج ) لأنه رضي بسقوط الزيادة ، وهذا عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ( وقال محمد : له أجر مثله بالغا ما بلغ ، لأنه استوفى منافعه بعقد فاسد فتجب عليه قيمتها إذ لا مثل لها ) وقد مر في الإجارات ( وإن كان البذر من قبل العامل فلصاحب الأرض أجر مثل أرضه ) لأنه استوفى منافع الأرض بعقد فاسد فيجب ردها وقد تعذر . ولا مثل لها فيجب رد قيمتها . وهل يزاد على ما شرط له من الخارج ؟ فهو على الخلاف الذي ذكرناه ( ولو جمع بين الأرض والبقر حتى فسدت المزارعة فعلى العامل أجر [ ص: 472 ] مثل الأرض والبقر ) هو الصحيح ، لأن له مدخلا في الإجارة وهي إجارة معنى ( وإذا استحق رب الأرض الخارج لبذره في المزارعة الفاسدة طاب له جميعه ) لأن النماء حصل في أرض مملوكة له ( وإن استحقه العامل أخذ قدر بذره وقدر أجر الأرض وتصدق بالفضل ) لأن النماء يحصل من البذر ويخرج من الأرض ، وفساد الملك في منافع الأرض أوجب خبثا فيه .

فما سلم له بعوض طاب له وما لا عوض له تصدق به


( قوله وكذا إذا شرط لأحدهما التبن وللآخر الحب لأنه عسى تصيبه آفة فلا ينعقد الحب ولا يخرج إلا التبن ) أقول : في هذا التعليل قصور ، إذ على تقدير انعقاد الحب أيضا يفسد الشرط المذكور عقد المزارعة لكونه مؤديا إلى قطع الشركة فيما هو المقصود وهو الحب ، والشركة فيما هو المقصود من لوازم صحة عقد المزارعة كما هو الأصل المقرر المبني عليه المسائل الآتية كما ترى ، فالأولى في تعليل هذه المسألة أن يقال : لأنه يؤدي إلى قطع الشركة فيما هو المقصود وهو الحب كما قاله في تعليل المسألة الآتية المتصلة بها .

وكأن صاحب الكافي تنبه لما قلنا حيث ترك التعليل الذي ذكره صاحب الهداية هنا ، وجمع المسألتين في تعليل واحد فقال : وكذا لو شرط لأحدهما التبن وللآخر الحب ، أو شرط التبن نصفين والحب لأحدهما بعينه لأنه يقطع الشركة في الحب وهو المقصود انتهى ( قوله وإذا صحت المزارعة فالخارج على الشرط لصحة الالتزام ، وإن لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء للعامل ) أقول : عبارة الكتاب هاهنا قاصرة عن إفادة تمام المراد ، لأن المزارعة الصحيحة كما [ ص: 471 ] تكون استئجارا للعامل وذلك فيما إذا كان البذر من جانب رب الأرض كذلك تكون استئجارا للأرض وذلك فيما إذا كان البذر من جانب العامل . وقوله وإن لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء للعامل يفيد حكم الصورة الأولى دون الصورة الثانية ، بل يدل على كون الحكم في الثانية على خلاف الحكم في الأولى بمقتضى قولهم إن تخصيص الشيء بالذكر في الروايات يدل على نفي الحكم عما عداه ، فكان الظاهر أن يقال : وإن لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء لأحد من المتعاقدين . لا يقال : علل المصنف قوله وإن لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء للعامل بقوله لأنه يستحقه شركة ولا شركة في غير الخارج ، وإن كانت إجارة فالأجر مسمى فلا يستحق غيره .

ولما جرى هذا التعليل في صورة استئجار الأرض أيضا فهم منه حكم هذه الصورة أيضا فاكتفى بذكره . [ ص: 472 ] لأنا نقول : عبارة المسألة عبارة مختصر القدوري ، والمؤاخذة بقصورها في إفادة تمام المراد إنما ترد على القدوري ، فالتعليل الذي ذكره المصنف بعد مدة طويلة كيف يدفع عنه التقصير السابق . ولئن سلم ذلك فلا نسلم جريان التعليل المذكور وتمامه في صورة استئجار الأرض أيضا ; ألا ترى أن عامة الشراح ذكروا أن قوله وإن كانت إجارة فالأجر مسمى فلا يستحق غيره يشكل بمن استأجر رجلا بعين فعمل الأجير وهلكت العين قبل التسليم فإنه يجب على المستأجر أجر المثل فليكن هذا مثله ، لأن المزارعة صحت والأجر مسمى وهلك الأجر قبل التسليم . وأجابوا عنه بأن الأجر هاهنا هلك بعد التسليم لأن المزارع قبض البذر الذي يتفرع منه الخارج وقبض الأصل قبض لفرعه ، والأجرة العين إذا هلكت بعد التسليم إلى الأجير لا يجب للأجير شيء آخر فكذا هاهنا انتهى .

ولا يذهب عليك أن هذا الجواب لا يتمشى في صورة استئجار الأرض فإن رب الأرض لا يقبض البذر الذي يتفرع [ ص: 473 ] منه الخارج حتى يكون قبضه قبضا لفرعه فلم يتم التعليل المذكور في حق هاتيك الصورة فتعين القصور تأمل

التالي السابق


الخدمات العلمية