صفحة جزء
قال ( ولا بأس باستعمال آنية الرصاص والزجاج [ ص: 7 ] والبلور والعقيق ) وقال الشافعي : يكره لأنه في معنى الذهب والفضة في التفاخر به . قلنا : ليس كذلك ; لأنه ما كان من عادتهم التفاخر بغير الذهب والفضة .

قال ( ويجوز الشرب في الإناء المفضض عند أبي حنيفة والركوب على السرج المفضض والجلوس على الكرسي المفضض والسرير المفضض إذا كان يتقي موضع الفضة ) ومعناه : يتقي موضع الفم ، وقيل هذا وموضع اليد في الأخذ وفي السرير والسرج موضع الجلوس . وقال أبو يوسف : يكره ذلك ، وقول محمد يروى مع أبي حنيفة ويروى مع أبي يوسف ، وعلى هذا الخلاف الإناء المضبب بالذهب والفضة والكرسي المضبب بهما ، وكذا إذا جعل ذلك في السيف والمشحذ وحلقة المرأة ، أو جعل المصحف مذهبا أو مفضضا ، وكذا الاختلاف في اللجام والركاب والثفر إذا كان مفضضا ، وكذا الثوب فيه كتابة بذهب أو فضة على هذا ، وهذا الاختلاف فيما يخلص ، فأما التمويه الذي [ ص: 8 ] لا يخلص فلا بأس به بالإجماع . لهما أن مستعمل جزء من الإناء مستعمل جميع الأجزاء فيكره ، كما إذا استعمل موضع الذهب والفضة . ولأبي حنيفة رحمه الله أن ذلك تابع ولا معتبر بالتوابع فلا يكره . كالجبة المكفوفة بالحرير والعلم في الثوب ومسمار الذهب في الفص .


( قوله لهما أن مستعمل جزء من الإناء مستعمل جميع الأجزاء فيكره ) جمعها في التعليل جريا على رواية كون قول محمد في هذه المسألة مع أبي يوسف ، وإن كان أفرد أبا يوسف في بيان الحكم فيما قبل .

وأما صاحب الكافي فأفرده هاهنا أيضا حيث قال : احتج أبو يوسف بعموم ما ورد من النهي . ورد عليه بعض المتأخرين حيث قال بعد نقل ما في الكافي : قلت ورد النهي عن الشرب في إناء الذهب والفضة كما سبق ، وصدقه على المفضض والمضبب ممنوع . وقال في الحاشية ردا لما في الكافي من احتجاج أبي يوسف . أقول : ليس ذاك بتام ; لأن ما ورد من النهي عن الشرب في إناء الذهب والفضة إن لم يعم المفضض والمضبب عبارة يعمهما دلالة كعمومه للادهان منه ونحوه ، وكعمومه للأكل بملعقة الذهب والفضة والاكتحال بميل الذهب ، وكذا ما أشبه ذلك كالمكحلة والمرآة وغيرهما ، فإن المدار في كلها تناول النهي الوارد المذكور لكل منها دلالة كما صرحوا به .

وعن هذا قال في المحيط البرهاني حجتهما العمومات الواردة بالنهي عن استعمال الذهب والفضة . ومن استعمل إناء كان مستعملا كل جزء منه فكره ، وهذا لأن الحرمة في استعمال الذهب والفضة في الإناء وغيره إنما كانت للتشبه بالأكاسرة والجبابرة . فكل ما كان بهذا المعنى يكره ، بخلاف خاتم الفضة والمنطقة حيث لا يكره ; لأن الرخصة جاءت في ذلك نصا ، أما هاهنا بخلافه ، إلى هنا لفظ المحيط تأمل . وقال الإمام الزيلعي في شرح الكنز : لأبي يوسف ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال { من شرب في إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنه يجرجر في بطنه نار جهنم } رواه الدارقطني انتهى . ورد عليه أيضا ذلك البعض حيث قال بعد نقل ذلك : قلت لو ثبت هذا كان حجة قاطعة على أبي حنيفة رحمه الله ، لكن لم نجده في روايات البخاري وغيره إلا خاليا عن زيادة " أو إناء فيه شيء من ذلك " وقال في الحاشية : رد لما ذكره الزيلعي من احتجاج أبي يوسف انتهى .

أقول : عدم وجدانه تلك الزيادة فيما رآه من روايات البخاري وغيره لا يدل على عدم وجودها في رواية أخرى لم ير محلها ، وقد بين الإمام الزيلعي طريق إخراج ما ذكره من الحديث حيث قال : رواه الدارقطني ، فكيف يصح أن يجعل ذلك البعض مجرد عدم اطلاعه على ذلك ردا له [ ص: 9 ]

وهو ليس من فرسان ميدان علم الحديث كما لا يخفى

التالي السابق


الخدمات العلمية