صفحة جزء
قال ( ولا بأس بأن يدخل أهل الذمة المسجد الحرام ) وقال الشافعي : يكره ذلك : وقال [ ص: 63 ] مالك : يكره في كل مسجد . للشافعي قوله تعالى { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } ولأن الكافر لا يخلو عن جنابة ; لأنه لا يغتسل اغتسالا يخرجه عنها ، والجنب يجنب المسجد ، وبهذا يحتج مالك ، والتعليل بالنجاسة عام فينتظم المساجد كلها . ولنا ما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام أنزل وفد ثقيف في مسجده وهم كفار } ولأن الخبث في اعتقادهم فلا يؤدي إلى تلويث المسجد . والآية محمولة على الحضور استيلاء واستعلاء أو طائفين عراة كما كانت عادتهم في الجاهلية .


[ ص: 63 ] قوله للشافعي قوله تعالى { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } ) قال تاج الشريعة في حل دلالة الآية على مدعى الشافعي : خص الله تعالى المسجد الحرام بالذكر فدل على أن النهي عن الدخول خاص في حقه ; لأن " إنما " لحصر الحكم في الشيء أو لحصر الشيء في الحكم كقولنا إنما الطبيب زيد ، وإنما زيد طبيب ا هـ .

أقول : إن قوله : لأن إنما لحصر الحكم في الشيء أو لحصر الشيء في الحكم ليس بكلام مفيد هاهنا ; لأن الخلاف في أن الكفار هل يجوز لهم أن يدخلوا المسجد الحرام أم لا ، لا في أنهم نجس أم لا ، وكلمة إنما في الآية المذكورة إنما هي في قوله تعالى { إنما المشركون نجس } ، لا في قوله تعالى { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } ، فتأثير الحصر الذي تفيده كلمة إنما هو في الجملة التي دخلت عليها كلمة إنما لا في الجملة الأخرى فلا يتم التقريب ، ( قوله ولأن الكافر لا يخلو عن جنابة ; لأنه لا يغتسل اغتسالا يخرجه عنها ، والجنب يجنب المسجد ) أقول : لا يذهب عليك أن هذا الدليل لو تم لدل على أن لا يدخل الكافر شيئا من المساجد ، ومذهب الشافعي أنه لا يجوز دخول الكافر المسجد الحرام دون سائر المساجد ، فلم يكن هذا الدليل ملائما لمذهبه ، وإنما كان مناسبا لمذهب مالك كما لا يخفى ( قوله : ولأن الخبث في اعتقادهم فلا يؤدي إلى تلويث المسجد ) قال بعض المتأخرين : ظاهره أن هذا دليل آخر ولا وجه له ، فحق التعبير حذف حرف التعليل ليكون إشارة إلى دفع أن يقال كيف أنزلهم في مسجده ، وقد وصفهم الله تعالى بكونهم أنجاسا انتهى .

أقول : ليس ذاك بشيء ، إذ لا شك في صحة أن يكون هذا دليلا آخر عقليا لنا . فإن الخبث إذا كان في اعتقادهم لا يؤدي إلى تلويث المسجد فلا يكون في دخولهم المسجد بأس لا محالة ، فقول ذلك البعض ولا وجه له تحكم بحت كما لا يخفى ، وكونه دليلا مستقلا على أصول المدعى لا ينافي أن يتضمن الجواب عن أن يقال : كيف أنزل النبي عليه الصلاة والسلام وفد ثقيف في مسجده ، وهم كفار وقد وصفهم الله تعالى بكونهم نجسا . كما حكى { أنه عليه الصلاة والسلام لما أنزلهم في مسجده وضرب لهم خيمة ، قالت الصحابة : قوم أنجاس ، فقال عليه الصلاة والسلام ليس على الأرض من أنجاسهم شيء ، وإنما أنجاسهم على أنفسهم } ومن عادة المصنف أنه يجعل كثيرا ما علة النص دليلا مستقلا عقليا على أصل المسألة إفادة للفائدتين معا ، وما نحن فيه أيضا من ذلك القبيل .

نعم يرد على ظاهر هذا الدليل أنه تعليل في مقابلة النص ، وهو قوله تعالى { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } والتعليل في مقابلة النص غير صحيح على ما عرف في علم الأصول ، فأجاب المصنف عنه بقوله والآية محمولة على الحضور استيلاء إلى آخره

التالي السابق


الخدمات العلمية