صفحة جزء
[ ص: 72 ] قال ( ومن حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث سنين أخذها الإمام ودفعها إلى غيره ) لأن الدفع إلى الأول كان ليعمرها فتحصل المنفعة للمسلمين من حيث العشر أو الخراج . فإذا لم تحصل يدفع إلى غيره تحصيلا للمقصود ، ولأن التحجير ليس بإحياء ليملكه به ; لأن الإحياء إنما هو العمارة والتحجير الإعلام ، سمي به لأنهم كانوا يعلمونه بوضع الأحجار حوله أو يعلمونه لحجر غيرهم عن إحيائه فبقي غير مملوك كما كان هو الصحيح . وإنما شرط ترك ثلاث سنين لقول عمر رضي الله عنه : ليس لمتحجر بعد ثلاث سنين حق . ولأنه إذا أعلمه لا بد من زمان يرجع فيه إلى وطنه وزمان يهيئ أموره فيه ، ثم زمان يرجع فيه إلى ما يحجره فقدرناه بثلاث سنين ; لأن ما دونها من الساعات والأيام والشهور لا يفي بذلك ، وإذا لم يحضر بعد انقضائها فالظاهر أنه تركها . قالوا : هذا كله ديانة ، فأما إذا أحياها غيره قبل مضي هذه المدة ملكها لتحقق الإحياء منه دون الأول وصار كالاستيام فإنه يكره ، ولو فعل يجوز العقد . ثم التحجير قد يكون بغير الحجر بأن غرز حولها أغصانا يابسة أو نقى الأرض وأحرق ما فيها من الشوك أو خضد ما فيها من الحشيش أو الشوك ، وجعلها حولها [ ص: 73 ] وجعل التراب عليها من غير أن يتم المسناة ليمنع الناس من الدخول ، أو حفر من بئر ذراعا أو ذراعين ، وفي الأخير ورد الخبر . ولو كربها وسقاها فعن محمد أنه إحياء ، ولو فعل أحدهما يكون تحجيرا ، ولو حفر أنهارها ولم يسقها يكون تحجيرا ، وإن سقاها مع حفر الأنهار كان إحياء لوجود الفعلين ، ولو حوطها أو سنمها بحيث يعصم الماء يكون إحياء ; لأنه من جملة البناء ، وكذا إذا بذرها .


( قوله ومن حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث سنين أخذها الإمام ودفعها إلى غيره ) والأصل في ذلك أن المشايخ اختلفوا في كون التحجير مفيدا للملك ، فمنهم من قال يفيد ملكا مؤقتا إلى ثلاث سنين ، ومنهم من قال لا يفيد . وهو مختار المصنف أشار إليه بقوله هو الصحيح .

قيل وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا جاء إنسان آخر قبل مضي ثلاث سنين وأحياه ، فإنه ملكه على الثاني ولم يملكه على الأول . وجه الأول ما روي عن عمر رضي الله عنه : ليس لمتحجر حق بعد ثلاث سنين . نفي الحق بعد ثلاث سنين فيكون له الحق في ثلاث سنين ، والمطلق ينصرف إلى الكامل ، والحق الكامل هو الملك ، ووجه الصحيح ما ذكر في الكتاب . والجواب عن استدلالهم أن ذلك مفهوم وهو ليس بحجة ، كذا في العناية . وأورد عليه بعض الفضلاء وأجاب حيث قال : وأنت خبير بأن المصنف استدل على الترك سنين بهذا الطريق . وجوابه أن ثبوت الحق ليس بالحديث بل بالإجماع انتهى . أقول : جوابه ليس بسديد ، إذ لو لم يكن ثبوت الحق في ثلاث سنين بالحديث بل بالإجماع لما قال المصنف وإنما شرط ترك ثلاث سنين لقول عمر رضي الله عنه : ليس لمتحجر بعد ثلاث سنين حق ، فإن حاصله الاستدلال بمفهوم الحديث المذكور على ثبوت حق المتحجر قبل ثلاث سنين ، إذ هو المقتضي اشتراط ترك ثلاث سنين ، ومدار ما أورده على أن استدلال المصنف بمفهوم ذلك الحديث ليس بتام لعدم كون المفهوم حجة عندنا فلا يدفعه الجواب المزبور ( قوله لأن الدفع إلى الأول كان ليعمرها فتحصل المنفعة للمسلمين من حديث العشر أو الخراج ، فإذا لم تحصل يدفعه إلى غيره تحصيلا للمقصود ) أقول : لقائل أن يقول : لو تم هذا التعليل لاقتضى أن يأخذها الإمام ويدفعها إلى الغير بعد الإحياء أيضا إذا لم يزرعها ثلاث سنين تحصيلا لمنفعة المسلمين من حيث العشر أو الخراج وتخليصا لها عن التعطيل . فإن قلت : يملكها الإنسان بالإحياء ولا يملكها بمجرد التحجير بل يصير أحق بالتصرف فيها من الغير ، والإمام لا يقدر أن يدفع مملوك أحد إلى غيره لانتفاع المسلمين ، ويقدر أن يدفع غير مملوك اليد لذلك .

قلت : فحينئذ يلزم المصير إلى التعليل الثاني الذي ذكره بقوله ولأن التحجير ليس [ ص: 73 ] بإحياء ليملكه به فلا يكون التعليل الأول مفيدا للمدعي بدون الثاني مع أن أسلوب تحريره يأبى ذلك كما ترى

التالي السابق


الخدمات العلمية