صفحة جزء
قال ( ولا يؤكل ما أصابته البندقة فمات بها ) ; لأنها تدق وتكسر ولا تجرح فصار كالمعراض إذا لم يخزق ، وكذلك إن رماه بحجر ، وكذا إن جرحه

قالوا : تأويله إذا كان ثقيلا وبه حدة لاحتمال أنه قتله بثقله ، وإن كان الحجر خفيفا وبه حدة يحل لتعين الموت بالجرح ، ولو كان الحجر خفيفا ، وجعله طويلا كالسهم وبه حدة فإنه يحل ; لأنه يقتله بجرحه ، ولو رماه بمروة حديدة ولم تبضع بضعا لا يحل ; لأنه قتله دقا ، وكذا إذا رماه بها فأبان رأسه أو قطع أوداجه ; لأن العروق تنقطع بثقل الحجر كما تنقطع بالقطع فوق الشك أو لعله مات قبل قطع الأوداج ، ولو رماه بعصا أو بعود حتى قتله لا يحل ; لأنه يقتله ثقلا لا جرحا ، اللهم إلا إذا كان له حدة يبضع بضعا فحينئذ لا بأس به ; لأنه بمنزلة السيف والرمح

والأصل في هذه المسائل أن الموت إذا كان مضافا إلى الجرح بيقين كان الصيد حلالا ، وإذا كان مضافا إلى الثقل بيقين كان حراما ، وإن وقع الشك ولا يدري مات بالجرح أو بالثقل كان حراما احتياطا ، وإن رماه بسيف أو بسكين فأصابه بحده فجرحه حل ، وإن أصابه بقفا السكين أو بمقبض السيف لا يحل ; لأنه قتله دقا ، والحديد وغيره فيه سواء

ولو رماه فجرحه ومات بالجرح ، إن كان الجرح مدميا يحل بالاتفاق ، وإن لم يكن مدميا فكذلك عند بعض المتأخرين سواء كانت الجراحة صغيرة أو كبيرة ; لأن الدم قد يحتبس بضيق المنفذ أو غلظ الدم

وعند بعضهم يشترط الإدماء لقوله عليه الصلاة والسلام { ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل } شرط الإنهار ، وعند بعضهم إن كانت كبيرة [ ص: 131 ] حل بدون الإدماء ، ولو ذبح شاة ولم يسل منه الدم قيل لا تحل وقيل تحل

ووجه القولين دخل فيما ذكرناه

وإذا أصاب السهم ظلف الصيد أو قرنه ، فإن أدماه حل وإلا فلا ، وهذا يؤيد بعض ما ذكرناه


[ ص: 130 ] ( قوله وإن لم يكن مدميا فكذلك عند بعض المتأخرين سواء كانت الجراحة صغيرة أو كبيرة ; لأن الدم قد يحتبس لضيق المنفذ أو غلظ الدم ) أقول : يرد على ظاهر هذا التعليل أنه قد تقرر في كتاب الذبائح أن المقصود بالذبح هو إخراج الدم النجس ، وأن الجرح في أي موضع كان من البدن ذبح اضطراري يصار إليه عند العجز عن الذبح الاختياري وهو الجرح

فيما بين اللبة واللحيين ، وأن في كل من الذبحين إخراج الدم إلا أن الاختياري أعمل فيه من الاضطراري فكون الدم محتبسا لضيق المنفذ أو غلظ الدم لا يقتضي حل أكل المجروح بالرمي بدون الإدماء ، بل يقتضي حرمته بناء على عدم حصول المقصود بالذبح

ويمكن الجواب بأن معنى هذا التعليل أن الدم قد يحتبس لضيق المنفذ أو غلظ الدم فلا يمكن إخراجه ففي اعتبار الإدماء حرج ، فاكتفى بما هو سببه في الغالب وهو الجرح فتأمل ( قوله وعند بعضهم يشترط الإدماء لقوله صلى الله عليه وسلم { ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل } شرط الإنهار ) أقول : لمانع أن يمنع دلالة الحديث المذكور على شرط الإنهار بناء على عدم القول بمفهوم [ ص: 131 ] المخالفة تدبر تفهم

وطعن فيه صاحب الغاية بوجه آخر حيث قال : وهذا ضعيف عندي ; لأنه كما شرط الإنهار شرط فري الأوداج أيضا

وفي ذكاة الاضطرار لا يشترط فري الأوداج ، فكذا لا يشترط الإنهار انتهى

أقول : ليس هذا بسديد ; لأن عدم اشتراط فري الأوداج في ذكاة الاضطرار للعجز عنه ولزوم الحرج في اشتراطه ، وهذا غير متحقق في الإنهار ; إذ لا عجز عن الجرح بلا ريب ، ثم إن الجرح لا ينفك عن الإنهار في الغالب فلا حرج في اشتراط الإنهار على رأي ذلك البعض فافترقا

التالي السابق


الخدمات العلمية