صفحة جزء
قال : ( وإن رمى عبدا فأعتقه مولاه ثم وقع السهم به فعليه قيمته للمولى ) عند أبي حنيفة . وقال محمد : عليه فضل ما بين قيمته مرميا إلى غير مرمي ، وقول أبي يوسف مع قول أبي حنيفة . له أن العتق قاطع للسراية ، وإذا انقطعت بقي مجرد الرمي وهو جناية ينتقص بها قيمة المرمي [ ص: 269 ] إليه بالإضافة إلى ما قبل الرمي فيجب ذلك . ولهما أنه يصير قاتلا من وقت الرمي لأن فعله الرمي وهو مملوك في تلك الحالة فتجب قيمته ، بخلاف القطع والجرح لأنه إتلاف بعض المحل ، وأنه يوجب الضمان للمولى ، وبعد السراية لو وجب شيء لوجب للعبد فتصير النهاية مخالفة للبداية . أما الرمي قبل الإصابة ليس بإتلاف شيء منه لأنه لا أثر له في المحل . وإنما قلت الرغبات فيه فلا يجب به ضمان فلا تتخالف النهاية والبداية فتجب قيمته للمولى . [ ص: 270 ] وزفر وإن كان يخالفنا في وجوب القيمة نظرا إلى حالة الإصابة فالحجة عليه ما حققناه . .


. ( قوله وقول أبي يوسف مع قول أبي حنيفة رحمهما الله ) قلت : لعل وجه عدول المصنف هاهنا عن التحرير المألوف حيث لم يقل فيما قبل عند أبي حنيفة وأبي يوسف كما هو المعتاد في نظائره ، بل قال بعد بيان الخلاف بين أبي حنيفة ومحمد ، وقول أبي يوسف مع أبي حنيفة رحمه الله هو أن كون أبي يوسف مع أبي حنيفة في هذه المسألة ليس مما اتفقت عليه الروايات ، لأن الفقيه أبا الليث ذكر قول أبي يوسف مع محمد في شرح الجامع الصغير في هذه المسألة .

وذكر فخر الإسلام البزدوي في شرحه قوله مع أبي حنيفة كما بين في غاية البيان . فلو قال المصنف في أول المسألة عند أبي حنيفة وأبي يوسف لفهم منه اتفاق الروايات عليه بناء [ ص: 269 ] على ما هو المألوف في نظائره فغير الأسلوب إشارة إلى أن فيه اختلاف الرواية وأن المختار عنده كون قوله مع أبي حنيفة ( قوله ولهما أنه يصير قاتلا من وقت الرمي لأن فعله الرمي وهو مملوك في تلك الحالة فتجب قيمته ) قال الشراح : مر أبو حنيفة في هذه المسألة على أصله ، وأبو يوسف فرق بين هذه وبين ما تقدم .

ووجه الفرق أن المرمي إليه خرج بالارتداد من أن يكون معصوما فصار مبرأ عن الجناية ، إذ الضمان يعتمد العصمة والردة تنافيها . وأما الإعتاق فإنه لا ينافي العصمة فيجب عليه ضمان قيمته للمولى انتهى .

أقول : في وجه الفرق نظر ، لأن الإعتاق وإن لم يناف العصمة إلا أنه ينافي كون المحل مالا متقوما فينبغي أن يصير المولى أيضا مبرأ عن ضمان قيمة العبد المرمي إليه بإعتاقه إياه قبل الإصابة ، لأن ضمان القيمة إنما يتصور فيما هو مال متقوم ، ولما أخرجه المولى بالإعتاق من أن يكون مالا متقوما فقد أسقط حقه في قيمته ; ألا يرى أن المغصوب منه إذا أعتق العبد المغصوب صار مبرئا للغاصب عن الضمان بإسقاط حقه بالإجماع كما صرحوا به فلم لم يكن الأمر كذلك فيما نحن فيه ؟ ثم إن صاحب العناية بعد أن ذكر الفرق المزبور من قبل أبي يوسف قال : ومن هذا يعلم أن أبا يوسف يعتبر وقت الرمي إلا في صورة الارتداد انتهى .

أقول : ليس هذا بسديد ، لأنه مع كونه ظاهر الفساد إذ لو لم يعتبر أبو يوسف وقت الرمي في صورة الارتداد لما صح منه القول بأنه صار بالارتداد مبرأ عن الضمان ، فإن الإبراء إنما يصح بعد انعقاد السبب مخالف لما صرح به كبار المشايخ في شروح الجامع الصغير كما ذكر في النهاية ومعراج الدراية ، فإنه قال في النهاية : وهما يقولان بقول أبي حنيفة في أن المعتبر حالة الرمي ولهذا وافقاه في هذه المسائل : يعني المسائل الآتية في الكتاب ونظائرها ، إلا أن المرمي إليه في مسألتنا لما ارتد صار مبرئا للرامي عن الدية بإخراجه نفسه من أن يكون معصوما وفعله معتبر في إسقاط حقه ، كما إذا أبرأ المغصوب منه الغاصب بإعتاق المغصوب على ما ذكرنا ، إلا أن أبا حنيفة يقول : إن قولهما إنه بالارتداد صار مبرأ عن ضمان الجناية غير صحيح ، لأن في اعتقاد المرتد أن الردة لا تبطل التقوم فكيف يصير مبرأ عن ضمان الجناية ، كذا في الجامع الصغير لقاضي خان والتمرتاشي والمحبوبي انتهى .

وقال في معراج الدراية : وأصحابنا اعتبروا حالة الرمي كما في هذه المسألة ، وكذا مسألة الرجم على ما يجيء ، وكذا في مسألة الرمي ثم تمجس ، وكذا في مسألة المحرم على ما سيجيء ، إلا أنهما يقولان في مسألة إن رمى مسلما فارتد أنه بالارتداد يصير مبرئا للرامي عن الضمان ، ولهذا قالا : يصير بالارتداد مبرأ ، والإبراء إنما يصح بعد انعقاد السبب ، وأبو حنيفة يقول بالارتداد لا يصير مبرأ ، لأن في اعتقاد المرتد أن الردة لا تبطل التقوم فكيف يصير مبرأ عن الضمان ، كذا في جامع قاضي خان والتمرتاشي والمحبوبي انتهى ( قوله أما الرمي قبل الإصابة ليس بإتلاف شيء لأنه لا أثر له في المحل ) أقول : لمتوهم أن يتوهم أن هذا الكلام [ ص: 270 ] ينافي ما قاله في صدر دليلهما من أنه يصير قاتلا من وقت الرمي ، فإن القتل لا يتصور بدون إتلاف شيء من المقتول .

والجواب أن معنى ما قاله في صدر دليلهما هو أنه يصير بمنزلة القاتل من وقت الرمي من جهة استناد الحكم إلى وقت الرمي عند الاتصال بالمحل ، وقد أشار إليه صاحب الغاية بقوله هنا : وإنما انقلب الرمي علة للإتلاف عند الاتصال بالمحل بطريق استناد الحكم إلى وقت الرمي فكأنه وجد من ذلك الوقت انتهى

التالي السابق


الخدمات العلمية