صفحة جزء
قال ( وفي أصابع اليد نصف الدية ) لأن في كل أصبع عشر الدية على ما روينا ، فكان في الخمس نصف الدية [ ص: 289 ] ولأن في قطع الأصابع تفويت جنس منفعة البطش وهو الموجب على ما مر ( فإن قطعها مع الكف ففيه أيضا نصف الدية ) لقوله عليه الصلاة والسلام { وفي اليدين الدية ، وفي إحداهما نصف الدية } ولأن الكف تبع للأصابع لأن البطش بها ( وإن قطعها مع نصف الساعد ففي الأصابع والكف نصف الدية ، وفي الزيادة حكومة عدل ) وهو رواية عن أبي يوسف . وعنه : أن ما زاد على أصابع اليد والرجل فهو تبع للأصابع إلى المنكب وإلى الفخذ ، لأن الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب فلا يزاد على تقدير الشرع . ولهما أن اليد آلة باطشة والبطش يتعلق بالكف والأصابع دون الذراع فلم يجعل الذراع تبعا في حق التضمين . ولأنه لا وجه إلى أن يكون تبعا للأصابع لأن بينهما عضوا كاملا ، ولا إلى أن [ ص: 290 ] يكون تبعا للكف لأنه تابع ولا تبع للتبع . قال : ( وإن قطع الكف من المفصل وفيها أصبع واحدة ففيه عشر الدية ، وإن كان أصبعين فالخمس ، ولا شيء في الكف ) وهذا عند أبي حنيفة ، وقالا : ينظر إلى أرش الكف والأصبع فيكون عليه الأكثر ، ويدخل القليل في الكثير لأنه لا وجه إلى الجمع بين الأرشين لأن الكل شيء واحد ، ولا إلى إهدار أحدهم لأن كل واحد منهما أصل من وجه فرجحنا بالكثرة . وله أن الأصابع أصل والكف تابع حقيقة وشرعا ، لأن البطش يقوم بها ، وأوجب الشرع في أصبع واحدة عشرا من الإبل ، والترجيح من حيث الذات والحكم أولى من الترجيح من حيث مقدار الواجب ( ولو كان في الكف ثلاثة أصابع يجب أرش الأصابع ولا شيء في الكف بالإجماع ) لأن الأصابع أصول في التقوم ، وللأكثر حكم الكل فاستتبعت الكف ، كما إذا كانت الأصابع قائمة بأسرها . قال ( وفي الأصبع الزائدة حكومة عدل ) تشريفا للآدمي لأنه جزء من يده ، ولكن لا منفعة فيه ولا زينة ( وكذلك السن الشاغية ) لما قلنا .


( فصل في الأطراف دون الرأس ) لما كانت الأطراف دون الرأس ولها حكم على حدة ذكرها في فصل على حدة ، كذا في العناية وغيرها . أقول : لا يذهب على الناظر في مسائل هذا الفصل أنها غير منحصرة في الأطراف ، بل بعضها متعلقة بالأطراف وبعضها متعلقة بالشجاج ، وبعضها متعلقة بالقتل ، فالوجه المذكور إنما يتمشى في بعض منها دون الكل ، فالأوجه عندي أن يقال : لما كانت مسائل هذا الفصل مسائل متفرقة ولهذا كانت كل مسألة منها في باب على حدة في مختصر الكرخي كما ذكر في غاية البيان أوردها المصنف في فصل على حدة وأخرها عن الفصلين المارين جريا على ما هو عادة المصنفين من جمع المسائل المتفرقات في فصل واحد وتأخيرها عن سائر الفصول تلافيا لما فات فيها ، إلا أنه لم يصرح بكونها مسائل متفرقة كما هو المعتاد أيضا اعتمادا على فهم الناظرين ( قوله وفي أصابع اليد نصف الدية ) أي في أصابع اليد الواحدة نصف الدية ، إذ في أصابع اليدين كمال الدية كما مر .

أقول : لقائل [ ص: 289 ] أن يقول : لما ذكر فيما مر أن في كل إصبع من أصابع اليدين أو الرجلين عشر الدية كان ذكر هذه المسألة ها هنا مستدركا ، إذ لا شك أن خمسة أعشار الدية نصف الدية ، فعلم قطعا مما مر أن في أصابع اليد الواحدة وهي خمس أصابع نصف الدية ، .

ولو لم يكف الاستلزام والاقتضاء في حصول العلم بمسألة بل كان لا بد فيه من التصريح بها للزم أن يذكر أيضا أن في الإصبعين عشري الدية وفي ثلاث أصابع ثلاثة أعشار الدية وفي أربع أصابع أربعة أعشار الدية ، إلى غير ذلك من المسائل المتروك ذكرها صراحة في الكتاب .

ويمكن الجواب عنه بأن ذكر هذه المسألة هنا ليس لبيان نفسها أصالة حتى يتوهم الاستدراك ، بل ليكون ذكرها توطئة للمسألة المعاقبة إياها وهي قوله فإن قطعها مع الكف ففيه أيضا نصف الدية ، فالمقصود بالبيان هنا أن قطع الأصابع وحدها وقطعها مع الكف سيان في الحكم ، وعن هذا قال في الوقاية في هذا المقام : وفي أصابع يد بلا كف ومعها نصف الدية .

( قوله ولأن في قطع الأصابع تفويت جنس منفعة البطش وهو الموجب على ما مر ) .

يعني أن قطع كلها تفويت جنس منفعة البطش وهو يوجب الدية الكاملة على ما مر ، ففي تفويت نصف منفعة البطش اللازم من قطع أصابع اليد الواحدة نصف الدية لا محالة . ثم إن جمهور الشراح قالوا : قوله على ما مر إشارة إلى قوله ولأن في قطع الكل تفويت جنس المنفعة وفيه دية كاملة وهي عشرة فتقسم الدية عليها .

أقول : فيه بحث ، إذ الظاهر أن قوله على ما مر متعلق بقوله وهو الموجب لا بما قبله ، وإلا لكان حق قوله وهو الموجب أن يؤخر عن قوله على ما مر ، وإذا كان قوله على ما مر متعلقا بقوله وهو الموجب لم يتم أن يشار به إلى ما قاله هؤلاء الشراح ، إذ ليس في ذلك تعرض لما هو الموجب للدية حتى يشار إليه هنا بقوله كما مر .

وقال صاحب الغاية هنا : قوله وهو الموجب على ما مر : أي الموجب للدية تفويت جنس المنفعة لا تفويت صورة الآلة على ما مر في فصل فيما دون النفس ا هـ .

أقول : هذا أبعد مما ذهب إليه جمهور الشراح . لأن بيان كون الموجب للدية تفويت جنس المنفعة لا تفويت صورة الآلة مما لا فائدة له أصلا فيما نحن فيه ، لأن المفروض فيه قطع أصابع اليد الواحدة على ما يدل عليه قوله ولأن في قطع الأصابع تفويت جنس منفعة البطش دون مجرد إزالة منفعتها بدون القطع حتى يتصور كون قول المصنف ها هنا على ما مر إشارة إلى ما ذكره في فصل فيما دون النفس قبيل فصل الشجاج بقوله لأن المتعلق تفويت جنس المنفعة لا تفويت الصورة كما زعمه صاحب الغاية ،

بخلاف ما مر في ذلك الفصل ، فإن وضع المسألة هناك فيمن ضرب عضوا فأذهب منفعته بدون أن يقطعه ، فلبيان كون الموجب للدية تفويت جنس المنفعة لا تفويت الصورة تأثير تام وفائدة ظاهرة هناك . ثم أقول : الأقرب إلى الحق عندي أن يكون قول المصنف هنا على ما مر إشارة إلى ما ذكره في أوائل فصل فيما دون النفس من قوله والأصل في الأطراف أنه إذا فوت جنس منفعة على الكمال أو أزال جمالا مقصودا في الآدمي على الكمال يجب كل الدية لإتلافه النفس من وجه وهو ملحق بالإتلاف من كل وجه تعظيما للآدمي . ا هـ .

فإن الظاهر منه أن الموجب للدية الكاملة في الأطراف تفويت جنس المنفعة أو إزالة الجمال المقصود في الآدمي على الكمال فيناسب الإشارة إليه هنا بقوله على ما مر في قوله وهو الموجب على ما مر .

( قوله ولهما أن اليد آلة باطشة والبطش يتعلق بالكف والأصابع دون الذراع ) .

أقول : لقائل أن يقول : الظاهر من هذا الكلام أن يكون لكل [ ص: 290 ] واحد من الكف والأصابع مدخل في البطش ، ومدلول قوله فيما قبل ولأن الكف تبع للأصابع لأن البطش بها أن يكون الباطش هو الأصابع لا غير ، فبين كلاميه في المقامين نوع تدافع ، وكأن صاحب الكافي تفطن له حيث غير تحرير المصنف هنا فقال : لهما أن أرش اليد إنما يجب باعتبار أنه آلة باطشة ، والأصل في البطش الأصابع والكف تبع لها ، أما الساعد فلا يتبعها لأنه غير متصل بها فلم يجعل تبعا لها في حق التضمين انتهى . ثم أقول : يمكن التوفيق بين كلامي المصنف أيضا بنوع عناية ، وهو أن يقدر [ ص: 291 ] المضاف في قوله فيما قبل لأن البطش بها : أي لأن أصل البطش بها كما قال في الكافي هناك ، لأن قوام البطش بها فلا ينافي أن يكون بالكف أيضا بطش في الجملة بالتبعية فيرتفع التدافع

التالي السابق


الخدمات العلمية