صفحة جزء
( فإن ألقته حيا ثم مات ففيه دية كاملة ) لأنه أتلف حيا بالضرب السابق ( وإن ألقته ميتا ثم ماتت الأم فعليه دية بقتل الأم وغرة بإلقائها ) وقد صح { أنه عليه الصلاة والسلام قضى في هذا بالدية والغرة } ( وإن ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات فعليه دية في الأم ودية في الجنين ) لأنه قاتل شخصين ( وإن ماتت ثم ألقت ميتا فعليه دية في الأم ولا شيء في الجنين ) وقال الشافعي : تجب الغرة في الجنين لأن الظاهر موته بالضرب فصار كما إذا ألقته ميتا وهي حية . ولنا أن موت الأم أحد سببي موته لأنه يختنق بموتها إذ تنفسه بتنفسها فلا يجب الضمان بالشك . قال ( وما يجب [ ص: 305 ] في الجنين موروث عنه ) لأنه بدل نفسه فيرثه ورثته ( ولا يرثه الضارب ، حتى لو ضرب بطن امرأته فألقت ابنه ميتا فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث منها ) لأنه قاتل بغير حق مباشرة ولا ميراث للقاتل .

قال : ( وفي جنين الأمة إذا كان ذكرا نصف عشر قيمته لو كان حيا وعشر قيمته لو كان أنثى ) وقال الشافعي : فيه عشر قيمة الأم ، لأنه جزء من وجه ، وضمان الأجزاء يؤخذ مقدارها من الأصل . ولنا أنه بدل نفسه لأن ضمان الطرف لا يجب إلا عند ظهور النقصان ، ولا معتبر في ضمان الجنين فكان بدل نفسه فيقدر بها . وقال أبو يوسف : يجب ضمان النقصان لو انتقصت الأم اعتبارا بجنين البهائم ، وهذا لأن الضمان في قتل الرقيق ضمان مال عنده على ما نذكر إن شاء الله تعالى ، فصح الاعتبار على أصله . قال ( فإن ضربت فأعتق المولى ما في بطنها ثم ألقته حيا ثم مات ففيه قيمته حيا ولا تجب الدية وإن مات بعد العتق ) لأنه قتله بالضرب السابق وقد كان في حالة الرق فلهذا تجب القيمة دون الدية ، وتجب قيمته حيا لأنه بالضرب صار قاتلا إياه وهو حي فنظرنا إلى حالتي السبب والتلف .

[ ص: 306 ] وقيل : هذا عندهما ، وعند محمد تجب قيمته ما بين كونه مضروبا إلى كونه غير مضروب ، لأن الإعتاق قاطع للسراية على ما يأتيك بعد إن شاء الله تعالى . قال : ( ولا كفارة في الجنين ) وعند الشافعي تجب لأنه نفس من وجه فتجب الكفارة احتياطا . ولنا أن الكفارة فيها معنى العقوبة وقد عرفت في النفوس المطلقة فلا تتعداها ولهذا لم يجب كل البدل . قالوا : إلا أن يشاء ذلك لأنه ارتكب محظورا ، فإذا تقرب إلى الله تعالى كان أفضل له ويستغفر مما صنع ( والجنين الذي قد استبان بعض خلقه بمنزلة الجنين التام في جميع هذه الأحكام ) لإطلاق ما روينا ، ولأنه ولد في حق أمومية الولد وانقضاء العدة والنفاس وغير ذلك ، فكذا في حق هذا الحكم ، ولأن بهذا القدر يتميز من العلقة والدم فكان نفسها ، والله أعلم . .


( قوله ولنا أن موت الأم أحد سببي موته لأنه يختنق بموتها إذ تنفسه بتنفسها فلا يجب الضمان بالشك ) اعترض عليه بأن الشك ثابت فيما إذا ألقت جنينا ميتا لاحتمال أن يكون الموت بالضرب [ ص: 305 ] واحتمال أنه لم ينفخ فيه الروح ، ومع ذلك وجب الضمان وهو أول ما ذكر في هذا الفصل . وأجيب بأن الغرة في تلك الصورة ثبتت بالنص على خلاف القياس كما ذكرنا ، وليس ما نحن فيه في معناه لأن فيه الاحتمال من وجه واحد ، وفيما نحن فيه من وجوه وهي احتمال عدم نفخ الروح والموت بسبب انقطاع الغذاء بسبب موت الأم وبسبب تخنيق الرحم وغم البطن ، فلا يلحق بذلك قياسا ولا دلالة فبقي على أصل القياس وهو عدم وجوب الضمان ، كذا في العناية أخذا من النهاية .

وأورد بعض الفضلاء على هذا الجواب حيث قال لقائل أن يقول : النص وهو قوله عليه الصلاة والسلام { في الجنين غرة } يشمله فلا حاجة إلى الإلحاق انتهى . أقول : هذا أمر عجيب من مثله ، فإن مضمون إيراده مع جوابه مذكور في شرح تاج الشريعة ، فإن كان جوابه المذكور هناك مقبولا عند هذا القائل فما معنى ذكر السؤال وترك الجواب ، وإن لم يكن ذلك الجواب مقبولا عنده كان عليه بيان فساده فكأنه لم ينظر إلى ما في شرح تاج الشريعة هنا ولم يظفر بجواب إيراده أصلا ، والذي ذكر في شرح تاج الشريعة هنا هكذا . فإن قلت : عموم قوله عليه الصلاة والسلام { في الجنين غرة ، عبد أو أمة } يتناول المتنازع فيه . قلت : لا بد من إضمار فيصير كأنه قال في إتلاف الجنين غرة ، والشك واقع في ذلك انتهى ، تأمل في تفصيل جوابه لعله سمت صالح ( قوله ولنا أنه بدل نفسه لأن ضمان الطرف لا يجب إلا عند ظهور النقصان ولا معتبر به في ضمان الجنين فكان بدل نفسه فيقدر بها )

[ ص: 306 ] أقول : لقائل أن يقول : إن أراد أنه بدل نفسه من كل الوجوه كما هو الظاهر من سياق تعليله يكون ما ذكره هنا مناقضا لما قاله فيما قبل من أنه إن كان بدل النفس من حيث إنه نفس على حدة فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم ، وإن أراد أنه بدل نفسه من وجه لا يكون هذا دليلا على مدعانا دافعا لما قاله الشافعي من أنه جزء من وجه وضمان الأجزاء يؤخذ مقدارها من الأصل فليتأمل . .

التالي السابق


الخدمات العلمية