صفحة جزء
[ ص: 366 ] ( باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك ) .

قال ( ومن قطع يد عبده ثم غصبه رجل ومات في يده من القطع فعليه قيمته أقطع ، وإن كان المولى قطع يده في يد الغاصب فمات من ذلك في يد الغاصب لا شيء عليه ) والفرق أن الغصب قاطع للسراية لأنه سبب الملك كالبيع فيصير كأنه هلك بآفة سماوية فتجب قيمته أقطع ، ولم يوجد القاطع في الفصل الثاني فكانت [ ص: 367 ] السراية مضافة إلى البداية فصار المولى متلفا فيصير مستردا ، كيف وأنه استولى عليه وهو استرداد فيبرأ الغاصب عن الضمان .


( باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك ) قال في النهاية : لما ذكر حكم المدبر في الجناية ذكر في هذا الباب ما يرد عليه وما يرد منه وذكر حكم من يلحق به ا هـ .

واقتفى أثره صاحب العناية . أقول : فيه قصور وفتور . أما أولا فلأن وجه ذكر غصب العبد في هذا الباب كان ضائعا على هذا التوجيه . وأما ثانيا فلأن ما ذكر في هذا الباب مما يرد على المدبر ويرد منه من قبيل الجناية عليه أو الجناية منه فكان من حكم المدبر في الجناية . فما معنى قوله لما ذكر حكم المدبر في الجناية ذكر في هذا الباب ما يرد عليه وما يرد منه . وأما ثالثا فلأن الصبي ليس بملحق بالمدبر في حكمه المذكور في هذا الباب كما لا يخفى على الناظر المتأمل في المسائل الآتية في هذا الباب . نعم يجوز أن يعد ملحقا بالمدبر بل بالعبد في كونه محجورا عن التصرفات على ما بين في كتاب الحجر ، ولكنه لا يقتضي ذكر حكمه في هذا الباب دون الباب السابق فلا يتم التقريب في قوله وذكر حكم من يلحق به . وقال في معراج الدراية : لما ذكر حكم العبد والمدبر في الجناية شرع في بيان ما يرد عليهما وما يرد منهما وذكر حكم من يلحق بهما ا هـ .

أقول : وقع فيه تدارك دفع المحذور الأول من المحذورات الواردة على تقرير صاحبي النهاية والعناية ، ولكن بقي المحذوران الأخيران منها واردين عليه أيضا كما ترى . وقال في غاية البيان : لما ذكر جناية العبد والمدبر ذكر في هذا الباب جنايتهما مع غصبهما لأن المفرد قبل المركب ثم جر كلامه إلى بيان حكم غصب الصبي ا هـ .

وتبعه العيني . أقول : هذا أشبه الوجوه المذكورة وإن أمكن التقرير بأحسن منه تدبر .

( قوله والفرق أن الغصب قاطع للسراية لأنه سبب الملك كالبيع فيصير كأنه هلك بآفة سماوية إلخ ) واعترض الإمام قاضي خان في شرح الجامع الصغير على هذا التعليل بعد أن نقله عن بعض المشايخ ، ثم علل المسألة بوجه آخر حيث قال بعد نقل ذلك : إلا أن هذا يخالف مذهبنا ، فإن الغصب لا يقطع السراية ما لم يملك البدل على الغاصب بقضاء أو رضا ، لأن السراية إنما تقطع به باعتبار تبدل الملك ، وإنما يتبدل الملك به إذا ملك البدل على الغاصب ، وأما قبله فلا كما نص عليه في آخر رهن الجامع والباب الثاني من جناياته ، إلا أنه إنما ضمن الغاصب هنا قيمة العبد أقطع لأن السراية وإن لم تنقطع فالغصب ورد على مال متقوم فانعقد سبب الضمان فلا يبرأ عنه الغاصب إلا إذا ارتفع الغصب ، ولم يرتفع ; لأن الشيء إنما يرتفع بما هو فوقه أو مثله ، ويد الغاصب ثابتة على المغصوب حقيقة وحكما ، ويد المولى باعتبار السراية ثبتت عليه حكما لا حقيقة لأن بعد الغصب لم تثبت يده على العبد حقيقة ، والثابت حكما دون الثابت حقيقة وحكما فلم يرتفع الغصب باتصال السراية إلى فعل المولى فتقرر عليه الضمان ، بخلاف ما لو جنى [ ص: 367 ] عليه بعد الغصب لأن الغصب يرتفع بها ، إلى هنا كلام قاضي خان . وقد نقله جماعة من الشراح ولم يتعرضوا له بشيء .

وأما صاحب العناية فبعد أن نقل ما قاله قاضي خان أورد على ما اختاره من التعليل نظرا حيث قال : وفيه نظر ، لأنا لا نسلم أن يد الغاصب عليه ثابتة حكما ، فإن يد المولى ثابتة عليه حكما ولا يثبت على الشيء الواحد يدان حكميتان بكمالهما واليد الحقيقية واجبة الرفع لكونها عدوانا لا تصلح معارضا ولا مرجحا انتهى . أقول : نظره ساقط ، إذ لا وجه لمنع ثبوت يد الغاصب عليه حكما ، فإن معنى ثبوت اليد على الشيء حكما أن يترتب على تلك اليد حكم من الأحكام ، وقد ترتب على يد الغاصب فيما نحن فيه [ ص: 368 ] وجوب الضمان بالإجماع . وأما سند منعه فليس بتام أيضا إذ لا محذور في أن يثبت على الشيء الواحد يدان حكميتان بكمالهما من جهتين مختلفتين وهاهنا كذلك ، فإن ثبوت يد المولى على العبد المغصوب منه حكما باعتبار سراية القطع الذي صدر منه في يده ، وثبوت يد الغاصب عليه حكما باعتبار ثبوت يده عليه حقيقة فاختلفت الجهتان

التالي السابق


الخدمات العلمية