صفحة جزء
قال ( ومن أوصى بثلث ماله لأمهات أولاده وهن ثلاث وللفقراء والمساكين فلهن ثلاثة أسهم من خمسة أسهم ) قال رضي الله عنه : وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله .

[ ص: 451 ] وعن محمد رحمه الله أنه يقسم على سبعة أسهم لهن ثلاثة ولكل فريق سهمان ، وأصله أن الوصية لأمهات الأولاد جائزة والفقراء والمساكين جنسان ، وفسرناهما في الزكاة لمحمد رحمه الله أن المذكور لفظ الجمع وأدناه في الميراث اثنان نجد ذلك في القرآن فكان من كل فريق اثنان وأمهات الأولاد ثلاث فلهذا يقسم على سبعة .

ولهما أن الجمع [ ص: 452 ] المحلى بالألف واللام يراد به الجنس ، وأنه بتناول الأدنى مع احتمال الكل ، لا سيما عند تعذر صرفه إلى الكل فيعتبر من كل فريق واحد فبلغ الحساب خمسة والثلاثة للثلاث .

قال ( ولو أوصى بثلثه لفلان وللمساكين فنصفه لفلان ونصفه للمساكين عندهما ) وعند محمد ثلثه لفلان وثلثان للمساكين ، ولو أوصى للمساكين له صرفه إلى مسكين واحد عندهما ، وعنده لا يصرف إلا إلى مسكينين بناء على ما بيناه .


( قوله وأصله أن الوصية لأمهات الأولاد جائزة ) وهذا استحسان ، وكان القياس أن لا تصح الوصية لأم الولد لأن الوصية تمليك مضاف [ ص: 452 ] إلى ما بعد الموت فهي إنما تستحق الوصية بعد موت مولاها ، وبعد موت مولاها حال حلول العتق بها فالعتق يحلها وهي أمة ، والوصية لأمته بشيء غير رقبتها باطلة ، وجه الاستحسان أن الوصية مضافة إلى ما بعد عتقها إلى حال حلول العتق بها بدلالة حال الموصي ، لأن الظاهر من حاله أن يقصد بإيصائه وصية صحيحة لا باطلة ، والصحيحة هي المضافة إلى ما بعد عتقها ، كذا في عامة الشروح ، وعزاه جماعة من الشراح إلى الذخيرة .

أقول : فيما ذكروا من وجه القياس نظر ، لأن قولهم وبعد موت مولاها حال حلول العتق بها ممنوع ، بل حال حلول العتق بها إنما هي حال موت مولاها لا بعد موت مولاها ، إذ لا شك أن أم الولد تعتق حين موت مولاها ولا ينتظر عتقها إلى ما بعد موته ، فهي بعد موت مولاها حرة فلم تكن الوصية لأم الولد وصية للأمة في شيء ، فلم يتم وجه القياس ولم يحتج إلى ما تكلفوه في وجه الاستحسان ، ولعل الإمام قاضي خان والإمام المحبوبي عن هذا قالا : أما جواز الوصية لأمهات أولاده فلأن أو أن ثبوت الوصية وعملها بعد الموت وهن حرائر بعد الموت فتجوز الوصية لهن كما ذكره صاحب النهاية نقلا عنهما . ثم قال في العناية : فإن قيل : الوصية بثلث المال لعبده جائزة ولم يعتق بعد موته وأم الولد ليست أقل حالا منه فكيف لم تصح لها الوصية قياسا .

أجيب بأن الوصية بثلث المال للعبد إنما جازت لتناوله ثلث رقبته فكانت وصية برقبته ، والوصية برقبته إعتاق وهو يصح منجزا أو مضافا بخلاف أم الولد فإن الوصية ليست إعتاقا لأنها تعتق بموت المولى وإن لم يكن ثمة وصية أصلا ، ولقائل أن يقول : الوصية بثلث المال أما إن صادفتها بعد موت المولى وهي حرة أو أمة ، فإن كان الأول فلا وجه لنفي القياس ، وإن كان الثاني فكذلك لأنها كالعبد الموصى له بثلث المال . والجواب أنها ليست كالعبد لأن عتقها لا بد وأن يكون بموت المولى ، فلو كان بالوصية أيضا توارد علتان مستقلتان على معلول واحد بالشخص وهو ثلث رقبتها وذلك باطل ، إلى هنا لفظ العناية . أقول : لا يذهب على ذي فطرة سليمة أن السؤال الثاني وجوابه لغو من الكلام بعد أن ذكر ما قبلهما على الوجه الذي قرره ، لأن الترديد الواقع في هذا السؤال إن كان على موجب الاستحسان دون القياس فالشق الأول متعين ، ولا معنى لقوله فلا وجه لنفي القياس ، وإن كان على مقتضى القياس كما هو الظاهر فالشق الثاني مختار . والفرق بين أم الولد والعبد الموصى له بثلث المال قد علم في جواب السؤال الأول قطعا فلا معنى للإعادة

التالي السابق


الخدمات العلمية