صفحة جزء
قال ( ومن أوصى لأقاربه فهي للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه ، ولا يدخل فيه الوالدان والولد ويكون ذلك للاثنين فصاعدا ، وهذا عند أبي حنيفة ، وقال صاحباه : الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له في الإسلام ) وهو أول أب أسلم أو أول أب أدرك الإسلام وإن لم يسلم على حسب ما اختلف فيه المشايخ . وفائدة الاختلاف تظهر في أولاد أبي طالب فإنه أدرك الإسلام ولم يسلم . لهما أن القريب مشتق من القرابة فيكون اسما لمن قامت به فينتظم بحقيقة مواضع الخلاف . وله أن الوصية أخت الميراث ، وفي الميراث يعتبر الأقرب فالأقرب ، والمراد بالجمع المذكور فيه اثنان فكذا في الوصية ، والمقصد من هذه الوصية تلاقي ما فرط في إقامة واجب الصلة وهو يختص بذي الرحم المحرم منه ، ولا يدخل فيه قرابة الولاد فإنهم لا يسمون أقرباء ، ومن سمى والده قريبا كان منه عقوقا ، وهذا لأن القريب في عرف اللسان من يتقرب إلى غيره بوسيلة غيره ، وتقرب الوالد والولد بنفسه [ ص: 478 ] لا بغيره ، ولا معتبر بظاهر اللفظ بعد انعقاد الإجماع على تركه ، فعنده يقيد بما ذكرناه ، وعندهما بأقصى الأب في الإسلام ، وعند الشافعي بالأب الأدنى .


( قوله وله أن الوصية أخت الميراث وفي الميراث يعتبر الأقرب فالأقرب ، والمراد بالجمع المذكور فيه اثنان فكذا في الوصية ) أقول : فيه [ ص: 478 ] بحث ، وهو أنه إن أراد أن الوصية أخت الميراث في جميع الأحكام فهو ممنوع ، كيف وقد مر في الكتاب أنه يجوز أن يوصي المسلم للكافر والكافر للمسلم بلا خلاف ولا توارث بينهما لاختلاف الدينين على ما تقرر في محله ، وكذا قد مر فيه أنه تجوز الوصية للقاتل عند إجازة الورثة إياها على ما تقرر في محله عند أبي حنيفة ومحمد . ولا يجوز الميراث للقاتل عند أحمد ولو أجازته الورثة كما صرحوا به ، وكذا مر فيه آنفا في مسألة الإيصاء لأخته أنه يستوي فيه الحر والعبد والأقرب والأبعد ، ولا ميراث للعبد أصلا ، ولا يستوي في الميراث الأقرب والأبعد على ما تقرر ، وإن أراد أن الوصية أخت الميراث في بعض الأحكام فهو مسلم لكنه لا يفيد المطلوب ، إذ الخصم لا يسلم كون ما نحن فيه من ذلك القبيل بل هو أول المسألة .

ثم إن أبا حنيفة رحمه الله لم يعتبر الأخوة بين الوصية والميراث في مسألتنا هذه أيضا من جهات متعددة حيث قال فيها باستواء الحر والعبد والذكر والأنثى والمسلم والكافر ، كما قال به صاحباه على ما نص عليه الإمام الزيلعي في التبيين حيث قال : ويستوي الحر والعبد والمسلم والكافر والصغير والكبير والذكر والأنثى على المذهبين ا هـ .

وقد أفصح عنه في الكافي وغيره أيضا . ولا ميراث للعبد والكافر أصلا فضلا عن [ ص: 479 ] التساوي مع الحر والمسلم . وأما الأنثى فإنها وإن ورثت إلا أنها لا تستوي مع الذكر في الاستحقاق ألبتة ، فلم يعتبر الأخوة بين الوصية والميراث في هاتيك الأمور في مسألتنا هذه أيضا ، فكيف يتم الاستدلال على مدعي أبي حنيفة هاهنا بأن الوصية أخت الميراث فيعتبر فيها ما يعتبر فيه ، ولعل صاحب البدائع تفطن له فلم يتعرض في الاستدلال على قول أبي حنيفة في هذه المسألة لحديث الأخوة بين الوصية والميراث ، بل استدل عليه بوجه آخر ذكره وفصله كما لا يخفى على الناظر في كتابه ذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية