صفحة جزء
( فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخرت الصلاة عنه ، ولا يومئ بعينه ولا بقلبه ولا بحاجبيه ) خلافا لزفر لما روينا من قبل ، ولأن نصب الإبدال بالرأي ممتنع ، ولا قياس على الرأس ; لأنه يتأدى به ركن الصلاة دون العين وأختيها . وقوله أخرت عنه إشارة إلى أنه لا تسقط عنه الصلاة وإن كان العجز أكثر من يوم وليلة إذا كان مفيقا هو الصحيح ; لأنه يفهم مضمون الخطاب بخلاف المغمى عليه .


( قوله : خلافا لزفر ) وهو رواية عن أبي يوسف ، وعن محمد رحمه الله قال : لا أشك أن الإيماء برأسه يجزئه ، ولا أشك أنه بقلبه لا يجزئه وأشك فيه بالعين .

( قوله : لما روينا من قبل ) يعني قوله صلى الله عليه وسلم { فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء ، فإن لم يستطع فالله تعالى أحق بقبول العذر منه } ولا يخفى أن الاستدلال به موقوف على أن يثبت لغة أن مسمى الإيماء بالرأس ليس غير . وأما بالعين والحاجب فإشارة ونحوه لا إيماء فيكون قول الشاعر :

أرادت كلاما فاتقت من رقيبها فلم يك إلا ومؤها بالحواجب

مجازا لا حقيقة ، وهو خلاف الأصل حتى يثبت ذلك المفهوم كذلك . والحق أن المراد بقوله لما روينا ما قدمه من قوله صلى الله عليه وسلم لذلك المريض { وإلا فأومئ برأسك } وعلى اللفظ الذي ذكر في الحديث المخرج أيضا الرأس مراد فإنه قال فيه { واجعل سجودك أخفض } ولا يتحقق زيادة الخفض بالعين بل إذا كان الإيماء بالرأس . ( قوله : هو الصحيح ) احتراز عما صححه قاضي خان أنه لا يلزمه القضاء إذا كثر ، وإن كان يفهم من مضمون الخطاب فجعله كالمغمى عليه ، وفي المحيط مثله ، واختاره شيخ الإسلام وفخر الإسلام لأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب ، واستشهد قاضي خان بما عن محمد فيمن قطعت يداه من المرفقين ورجلاه من الساقين لا صلاة عليه [ ص: 6 ] ودفع بأن ذاك في العجز المتيقن امتداده إلى الموت . وكلامنا فيما إذا صح المريض بعد ذلك لا فيما إذا مات قبل القدرة على القضاء فلا يجب عليه ولا الإيصاء به ، كالمسافر والمريض إذا أفطرا في رمضان وماتا قبل الإقامة والصحة . ومن تأمل تعليل الأصحاب في الأصول وسيأتي للمجنون يفيق في أثناء الشهر ، ولو ساعة يلزمه قضاء كل الشهر ، وكذا الذي جن أو أغمي عليه أكثر من صلاة يوم وليلة لا يقضي وفيما دونها يقضي ، انقدح في ذهنه إيجاب القضاء على هذا المريض إلى يوم وليلة حتى يلزم الإيصاء به إن قدر عليه بطريق ، وسقوطه إن زاد . ثم رأيت عن بعض المشايخ إن كانت الفوائت أكثر من يوم وليلة لا يجب عليه القضاء ، وإن كانت أقل وجب قال في الينابيع : وهو الصحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية