صفحة جزء
قال ( ومن أوصى إلى عبد نفسه وفي الورثة كبار لم تصح الوصية ) لأن للكبير أن يمنعه أو يبيع نصيبه فيمنعه المشتري فيعجز عن الوفاء بحق الوصاية فلا يفيد فائدته وإن كانوا صغارا كلهم فالوصية إليه جائزة عند أبي حنيفة ، ولا تجوز عندهما وهو القياس . وقيل قول محمد مضطرب ، يروي مرة مع أبي حنيفة ، وتارة مع أبي يوسف . وجه القياس أن الولاية منعدمة لما أن [ ص: 501 ] الرق ينافيها ، ولأن فيه إثبات الولاية للمملوك على المالك ، وهذا قلب المشروع ، ولأن الولاية الصادرة من الأب لا تتجزأ ، وفي اعتبار هذه تجزئتها لأنه لا يملك بيع رقبته وهذا نقض الموضوع . وله أنه مخاطب مستبد بالتصرف فيكون أهلا للوصاية ، وليس لأحد عليه ولاية ، فإن الصغار وإن كانوا ملاكا ليس لهم ولاية المنع فلا منافاة ، وإيصاء المولى إليه يؤذن بكونه ناظرا لهم وصار كالمكاتب ، والوصاية قد تتجزأ على ما هو المروي عن أبي حنيفة ، أو نقول : يصار إليه كي لا يؤدي إلى إبطال أصله ، وتغيير الوصف لتصحيح الأصل أولى .


( قوله وقيل قول محمد مضطرب يروي مرة مع أبي حنيفة ومرة مع أبي يوسف ) قال صاحب العناية : ولنا في هذا القيل نظر ، لأن كبار الثقات المتقدمين على صاحب [ ص: 501 ] الهداية كلهم ذكروا قول محمد مع أبي يوسف بلا اضطراب ، كالطحاوي في مختصره والكرخي في مختصره وأبي الليث في نكت الوصايا والقدوري في التقريب وشمس الأئمة السرخسي في شرح الكافي وصاحب المنظومة فيها وفي شرحها وغيرهم من أصحابنا ا هـ .

أقول : نظره ساقط ، إذ لا يلزم من أن يذكر قول محمد مع أبي يوسف في كتب هؤلاء المشايخ الذين عدهم أن لا يكون قوله مضطربا في نقل أحد أصلا ، كيف وقد قال في المحيط البرهاني : وإن كانت الورثة صغارا كلهم فإن أوصى إلى عبد غيره فالوصية باطلة ، وإن أوصى إلى عبد نفسه فالوصية جائزة في قول أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف : إنها باطلة على التفسير الذي قلنا ، وقول محمد في الكتاب مضطرب ذكر في بعض الروايات مع أبي حنيفة وفي بعضها مع أبي يوسف انتهى . نعم الذي وقع في كتب كثير من المشايخ كون قوله مع أبي يوسف ولهذا اختاره المصنف حيث ذكر قوله مع أبي يوسف أولا ، وأشار إلى وقوع رواية أخرى في كلام بعضهم حيث قال : وقيل قول محمد مضطرب فلا غبار فيه .

( قوله وله أنه مخاطب مستبد بالتصرف فيكون أهلا للوصاية وليس لأحد عليه ولاية ، فإن الصغار وإن كانوا ملاكا ليس لهم ولاية المنع فلا منافاة ) قيل : عليه إن لم يكن لهم ذلك ، فللقاضي أن يبيعه فيتحقق المنع والمنافاة . وأجيب بأنه إذا ثبت الإيصاء إليه لم يبق للقاضي ولاية البيع ، كذا [ ص: 502 ] السؤال والجواب في أكثر الشروح ، وعزاهما في النهاية ومعراج الدراية إلى الأسرار . أقول : في هذا الجواب بحث ، لأن عدم بقاء ولاية البيع للقاضي موقوف على جواز الوصية إليه شرعا ، وهو أول المسألة التي نحن فيها والمقام مقام إقامة الدليل عليه من قبل أبي حنيفة رحمه الله ، فلو بنى تمام هذا الدليل عليه لزم المصادرة على المطلوب لا محالة ، فالحق في الجواب عن السؤال المذكور ما نقله صاحب الغاية عن شرح الأقطع حيث قال : وأورد في شرح الأقطع سؤالا وجوابا فقال : فإن قيل : إذا كانوا صغارا فالقاضي يلي على بيعه إذا رأى ذلك . قيل ولاية القاضي على الوصي لا تمنع جواز الوصية ، لأنه يلي على الأحرار مع [ ص: 503 ] وجود الوصية إليهم انتهى

التالي السابق


الخدمات العلمية